تأثير الأب على أطفاله في المرحلة الابتدائية
تعلم مواجهة التحديات :
حين يصل الطفل إلى مرحلة المدرسة يزداد اهتمامه بتعلم المزيد من مهارات الكبار و اختبارها في بيئة جديدةوالتعامل مع المشاعر التي يثيرها النجاح و الفشل، إن حس المثابرة أو الإيمان بقدرته على تحقيق هدف ما أو إتقان مهارة ما ضروري جداً لتطور إحساس الطفل باحترامه لذاته ،وفي هذه المرحلة يكون الأب هو المعلم الرئيسي والموجه في هذه الساحة ،و قد صاغها أحد الخبراء بقوله :"إن نوعية اهتمام الأب خلال هذه الفترة عامل حساس من أجل تحديد إذا كان الطفل سيتمكن من تنمية الثقة و الكفاءة لمواجهة تحديات الحياة بشكل ايجابي ".
إن أحد الأسباب التي تجعل الآباء يلعبون هذا الدور المؤثر في هذه الفترة هو رغبتهم بتحدي أبنائهم حتى يختبروا تجارب جديدةليصبحوا أكثر استقلالية، إذ تتوفر فرص أكبر أمام الأطفال الذين واجهوا التحدي في سبيل تطوير مهاراتهم لحل المشاكل، ففي إحدى الدراسات حقق الأولاد الذين توقع آباؤهم منهم تحمل مسؤوليات – كحمل المقص أو عبور الشارع أو الاستحمام بمفردهم – علامات أعلى في اختبار مهارات التفكير .
إن انجاز المهام في هذا العمر هام جداً و كذلك اهتمام الآباء، إذ أن تأثيرهم على الأطفال من حيث احترام الذات يكون أكثر من تأثير الأمهات في هذا العمر ، لذلك يجب على الآباء تشجيع أطفالهم في هذه المرحلة العمرية على مواجهة تحديات جديدة ، ولا يقتصر ذلك على ليس في تعلم مهارات جديدة و حسب بل توجيه الأطفال لتحمل مسؤولية تصرفاتهم أيضاً .
إن الآباء الذين يلتزمون بعائلاتهم بقوة يقدمون لأطفالهم مثالاً للسلوك المسؤول و يتكون لدى أولئك الصغار الإحساس الداخلي بالانضباط، مما يعني أنهم يميلون إلى الاعتقاد أن نجاحهم أو فشلهم سببه جهودهم الشخصية و ليس نتيجة لعوامل خارجية ،كما يميل أولئك الصغار لتحمل مسؤولية أكثر عند تصرفاتهم و نادراً ما يلومون الآخرين على أخطائهم عندما يكبرون .
يؤثر الآباء عادة بشكل إيجابي على حس أطفالهم بالمثابرة و الكفاءة و المسؤولية، ففي حال لم يشجع الأب أطفاله وقام بالتدخل بطريقة التعلم الأساسية في هذه المرحلة بشكل متحفظ ومتزمت أو أنه قام يفرض طريقته وحلوله الخاصة فإن تأثيره سيكون تأثيره سيئاً على أطفاله، و سواء كان هذا النوع من التصرف الأبوي بدافع من الرغبة في حماية الطفل أو بشعور الأب بعدم الصبر أو الإحباط أو بدافع من عدم ثقته بالطفل، فإن ذلك سيعيق تطور الطفل في الإبداع والتحفيز ويقلل من تطور مهارات حل المشاكل لديه مستقبلاً ويجعله أقل مسؤولية وأكثر اعتماداً على الآخرين .
الانجازات في المدرسة :
لقد أثبتت الدراسات أنه كلما زاد اهتمام الأب بالطفل بشكل عملي وكلما قام بالعناية بتعليم أطفاله وتوجيههم في هذه المرحلة كلما زاد النمو العقلي لهم وذلك للأسباب التالية :
إن أحد أهم الأسباب هو أن اهتمام الأب بالطفل يدفعه للسعي لتوفير حياة جيدة لطفله من حيث المنزل الملائم والتعليم والملابس وغيرها، وسيتاح له الكثير من فرص التعلم مثلاً فكلما كان دخل الأب كبيراً كان أداء الأطفال في المدرسة أفضل حتى عند احتساب دخل الأم .
و السبب الآخر هو التأثير الكبير للآباء على التطور العقلي لأطفالهم في سن المدرسة، وهذا يعني أن قضاء الأب فترة من الوقت لمساعدة الأطفال في دروسهم ، سيؤثر ايجابياً على نجاح الأطفال دراسياً، فقد أظهرت إحدى الدراسات أن الصبيان أفضل في امتحان الرياضيات عندما كان الآباء يشجعونهم في مهارات الحساب و القراءة .
كما أظهرت دراسة أخرى أن مستوى اهتمام الأب بدروس أطفاله سيؤدي إلى نجاحهم في الحياة لاحقاً، وقد وجد أحد الاختصاصيين أن مدى الوقت الذي يقضيه الأب مع أطفاله يرتبط مباشرة بمدى نجاح الطفل في مادة الرياضيات .
إن تأثير الآباء على تطور الذكاء لدى أطفالهم لا يتوقف عند مساعدتهم في وظائفهم المدرسية فقط ،حيث يمكن للآباء التأثير إيجابياً على قدرة التفكير عند أطفالهم وذلك عن طريق المشاركة في النشاطات الاجتماعيةوالرياضية أيضاً، فقد وجدت إحدى الدراسات أن الأطفال الذين كانوا يتلقون التشجيع من آبائهم في النشاط الرياضي كانوا أنجح في المدرسة، ومن ثم في مجال مهنتهم في الحياةوالأمر ينطبق على البنات كما هو الحال بالنسبة للأبناء .
النجاح في الحياة :
إن اهتمام الأب بأطفاله خلال سنوات المدرسة يكون له نتائج ايجابية أخرى،إذ أن السنوات الأولى في المدرسة تكون صعبة على الأطفال إلا أنه يمكن للأب مساعدة أطفاله على التكيف ، فعندما يتواجد الدعم من الأب تقل المشاكل التي يواجهها الطفل في المدرسة مثل الغياب المتكرر أو النتائج السيئة في الامتحان، ويبقى ذلك صحيحاً حتى عند الأخذ بعين الاعتبار تأثير الأمهات على الأطفال و حتى لو أبدى الآباء قدراً محدوداً من الاهتمام و العاطفة و لم يتواجدوا كل الوقت، فإن الأطفال يستفيدون من تأثيرهم من حيث التكيف مع الخبرات الجديدة و الاستقرار العاطفي و كيفية التعامل مع الآخرين،أما بالنسبة للأطفال المصابين باضطرابات نقص التركيز / فرط النشاط فإن دعم الآباء يمكن أن يكون له تأثير ايجابي قوي على تكيفهم في المدرسة أكثر من الأمهات .
أما المجال الآخر الذي يؤثر فيه الآباء فهو التطور الأخلاقي للطفل وذلك بتقديم التوجيه والإرشاد مباشرة، حيث تبين الدراسات أن مشاركة الأب بالخطط و النشاطات والاهتمامات يجعل سلوك الأطفال أفضل في المدرسة ، خاصة عندما يشدد الأب على أن التصرفات قد تؤثر على مشاعر الآخرين مما يقلل من السلوك الأناني للطفل ويجعله محبوباً من أصدقائه.
كما يؤثر الآباء على التطور الأخلاقي لأطفالهم بتقديم المثال لهم , فقد بينت إحدى الدراسات أن الأطفال الذين يشعرون بأنهم يشبهون آبائهم و معجبون بهم و يرغبون بالتشبه بهم نالوا علامات أفضل في اختبارات تتعلق بالحكم الأخلاقي والقيم الأخلاقيةوالالتزام بالأنظمة،أما بالنسبة للأطفال الذين لم يتماثلوا مع آبائهم فقد أظهروا رفضاً لقبول اللوم أو الذنب عندما كانوا يسيئون التصرف،وقدواجهوا مشاكل في ضبط النفس و كانوا أكثر عدائية في المدرسة .
إن تأثير الأب على أبنائه في عمر المدرسة من حيث التطور الأخلاق الشخصية قد يستمر إلى سن الرشد ،حيث كان الكبار الذين اهتم آباؤهم بأمورهم عندما كانوا أطفالاً أكثر تحملاًو تفهماً و اهتماماً بشكل مسؤول من أولئك الذين كان آباؤهم أقل اهتماماً بهم .