وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية
أدى انتشار شبكات التواصل الإجتماعي في الآونة الأخيرة إلى حدوث تحولات كبيرة في المجتمعات ، ومن بين أبرز تلك التحولات الإنتقال من مرحلة القبيلة ، بعصبياتها القائمة على المصاهرة والنسب أساساً ، إلى "قبائل من نوع جديد تضم كيانات وعائلات يربطها العالم الإفتراضي". كما أسهم هذا الإنتشار في ظهور مفهوم " الجمهور الفاعل " الذي ينتج الحدث ويشارك فيه بدلاًً من الإكتفاء بدور المتفرج أو المتلقي ، مما أدى ، على نحو غير مسبوق وبسرعة مذهلة ، إلى تحقيق التواصل بين أناس تجمع بينهم خصائص ثقافية ودينية وسياسية واقتصادية مشتركة ، في مشارق الأرض ومغاربها . وحين تلتقي مثل هذه الأعداد الهائلة من الأفراد ، عبر شبكات التواصل الإجتماعي، تغدو المجتمعات التي كانت خيالية ذات مرة واقعاً حقيقياً ، وتتسع رقعة العوالم الإفتراضية التي تضمهم وتغرس في " مواطنيها" رغبة متبادلة في تحقيق مصالحهم المشتركة .
ويسعى مؤلف الكتاب ، مستخدماً منهج البحث بشقيه الوصفي والتحليلي ، إلى رصد وسائل التواصل الإجتماعي ، بأشكالها وأدواتها وأبعادها كافة ، ويحاول فهم حدود ما لتلك الوسائل من تأثيرات متوقعة في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإعلامية والأمنية ، وتحديد المجالات الأكثر تأثراً وارتباطاً بتطور هذه الوسائل ، والكيفية التي تؤثر بها هذه الأخيرة في شبكات العلاقات المجتمعية والتفاعلات السياسية داخل الدول .
يبدأ الكتاب بتعريف وسائل التواصل الإجتماعي ، ويشرح أهم أدوارها المتمثلة في تسهيل التعارف والتواصل بين البشر ، وتكريس الإختيار الفردي من دون وصاية ، ونشر الوعي ، والتداول السريع للمعلومات ، وصقل المعارف والثقافات ، والترفيه والتعبير عن الذات ، وكسر احتكار الدولة لوسائل الإعلام . وينتقل إلى عرض مؤشرات إحصائية لوسائل التواصل الإجتماعي من قبيل توزيع أشهر المواقع الشبكية في هذا المجال بحسب عدد المستخدمين والمتوسط الزمني الذي يقضيه كل مستخدم موصولاً بها ، مشيراً إلى أن دولة الإمارات تأتي في المركز الأول من حيث الدول العربية الأكثر نشاطاً في إستخدام تلك المواقع كنسبة من السكان .
وينتقل الكتاب إلى وصف سمات عصر وسائل التواصل الإجتماعي من حيث انتشار " الشعور بالذاتية " وتحول الفرد إلى " رحالة إفتراضي " يستطيع التأثير في عالم مفتوح يتجاوز حدود الزمان والمكان ، والتنوع " اللامتناهي " في المحتوى الإعلامي ، وتنامي اهتمام الفرد بالشأن العام بتشجيع من مؤسسات المجتمع المدني ، وزيادة استفادة الكيانات الإقتصادية المختلفة من الرواج الذي تشهده التعاملات الإلكترونية ، إلى جانب توفير بيئة لتعيين المكانة الأدبية للأفراد والمؤسسات بناءً على عدد زوار المواقع المختلفة ومتابعيها .
ويستعرض الكتاب مختلف وسائل إدخال البيانات ، ثم ينتقل إلى رصد ما لوسائل التواصل الإجتماعي من تأثيرات في المجال السياسي من خلال حشد الضغوط على الأنظمة لإتخاذ قرارات معينة أو الإمتناع عن قرارات أخرى ، وتسهيل المشاركة في الحياة السياسية من خلال أمور مثل التصويت في الانتخابات وإجراء استطلاعات الرأي وإدارة المناقشات ونشر الأفكار وتبادلها عبر الإنترنت ، وتنامي عدوى التغيير وتناقلها عبر الحدود الجغرافية.
ومن التأثيرات الإجتماعية المتباينة ظهور مايُعرف بالإنسان الرقمي ، المتحرر من قيود الجغرافيا والتقاليد ، والمطلع ، في العالم الإفتراضي ، على المستجدات أولاً بأول ولكنه منفصل عن الواقع ، وازدهار العلاقات الإفتراضية في الفضاء الإلكتروني على حساب العلاقات الإجتماعية والأسرية التقليدية، وتمكين المرأة وتحريرها من القيود العائلية والمجتمعية ،وتسهيل العملية التعليمية وتبسيط إجراءات الوصول إلى المعلومة .
ومن التأثيرات الإقتصادية ، إنتشار التجارة الإلكترونية ، والتوسع نحو إقتصاد المعرفة ، وتغير وسائل الترويج . وقد أدت وسائل التواصل الإجتماعي إلى " عولمة الجريمة " من خلال ظهور أشكال جديدة من النشاط الإجرامي " الإفتراضي " في ظل الجريمة الإلكترونية وهجمات القرصنة وسهولة التواصل بين العناصر الإرهابية . ومن الناحية الإعلامية ، أدت وسائل التواصل الإجتماعي إلى انحسار المفاهيم الإعلامية التقليدية من خلال غياب المهنية وتداول الشائعات ، وكذلك إلى تنوع مصادر الخبر وسرعة انتقاله في ظل رواج " الإعلام الشخصي " . على الصعيد العسكري ، تتمثل في ظهور الحروب الإلكترونية عن بُعد وإمكانية رصد تحركات العدو ومتابعة اتصالاته.
في إطار التوقعات المستقبلية ، يخلص الكتاب إلى أن وسائل التواصل الإجتماعي ، "أو السلطة الخامسة " ، مرشحة إلى تكريس موقعها بحيث يتم الإستغناء تدريجياً عن التواصل المادي ، مع ما لذلك من آثار تتمثل في تزايد عزلة الفرد وضعف الولاء الأسري والوطني ، وزيادة الهجرة الإلكترونية وظهور " المواطنة الإفتراضية " .