الفيتامين ف
(لولا الفاناديوم ما كانت السيارة). هذه الكلمات لملك السيارات هنري فورد. في عام 1905م، حضر فورد سباقا كبيرا للسيارات. وكما هو مألوف في مثل هذه المباريات فقد حصل اصطدام بين سيارتين احداهما فرنسية الصنع. وبعد فترة قصيرة، تقدم فورد الى مكان الحادث وانتقى من بين حطام هذه السيارة قطعة هي جزء من محور ارتكاز الصدام. ولم يعر أحد اهتماما لذلك، الا أن فورد الخبير في مثل هذه الأمور دهش لخفة هذه القطعة وقساوتها في الوقت نفسه، فارسلها الى المختبر لاجراء تحليل كيميائي عليها. وكانت النتيجة أن القطعة المذكورة مصنوعة من فولاذ غير عادي يحتوي على الفاناديوم. عندئذ خطرت لفورد فكرة استخدام هذا الفولاذ في صناعة السيارات. كانت الفكرة مغرية، فان تحققت، أصبحت السيارة أخف مما هي عليه الآن، وأمكن توفير كمية كبيرة من الفلز، وعندها يمكن بيع السيارة بسعر أرخص، وهذا يعني أن عدد المشترين سيزداد، وبالتالي سيزداد الربح. عمل فورد على تحقيق فكرته هذه. وقد صادفته صعوبات جمة تمكن من التغلب عليها قبل أن يصل الى هدفه المنشود وتتحقق الفكرة. وبعد مرور عدة سنوات على سباق السيارات المذكور الذي اعتبر في الواقع نقطة انعطاف في تاريخ صناعة السيارات، قامت وزارة التجارة والصناعة الفرنسية باجراء تجارب على قطع من سيارة فورد الجديدة، وتبين أن الفولاذ الأمريكي أفضل بكثير من الفولاذ الفرنسي، ويتفوق عليه في جميع المواصفات.
فما هو هذا الفاناديوم الذي أحدث ثورة حقيقية في صناعة السيارات؟
في عام 1831م اكتشف الكيميائي والفيزيائي السويدي الشاب نيلس سيوفسترم الفاناديوم، بعد أن عرفه قبل ذلك بثلاثين عاما كل من الكيميائي الألماني فيولر، والعالم المكسيكي دل ريو، دون أن يتمكنا من اثبات اكتشافهما له عمليا. ففي ذلك الحين بدأت صناعة التعدين تتطور في السويد، وشرع ببناء مصانع في مختلف أنحاء البلاد. وقد لوحظ آنذاك أن خامات الحديد المستخرجة من أحد المكامن تعطي فلزا هشا، بينما تعطي الخامات المستخرجة من مكمن آخر فلزا لدنا. اهتم سيوفسترم بالأمر وقرر حل اللغز، فقام بدراسة التركيب الكيميائي للخامات التي تعطي فلزا جيدا وأثبت بعد تجارب طويلة أن هذه الخامات تحتوي على عنصر جديد هو العنصر ذاته الذي اكتشفه دل ريو في حينه وظن خطأ أنه الكروم. وقرر سيوفسترم أن يسمي الفلز الجديد فاناديوم.
وقد أدت صعوبة استخلاص الفاناديوم من خاماته الى عدم استخدامه في الصناعة لعشرات السنين. لكن التطور المتسارع في التكنولوجيا فتح الباب أمامه كي يدخل عالم الصناعة. فقدرة هذا العنصر على دعم الفولاذ واكسابه خصائص جيدة هي التي جعلته يلعب دور (الفيتامين) المنشط للفولاذ. وكما وصفه الأكاديمي فرسمان: يا لها من قوة عجيبة، تلك القوة التي يقدمها الفاناديوم للحديد والفولاذ. فهو يكسبهما قساوة ومتانة، لزوجة ومرونة، ومقاومة جيدة للصدمات لا بد منها لمحاور السيارة. ومع مرور السنين، أخذت تكتشف فوائد أخرى عديدة للفاناديوم بحيث أصبح يستخدم الآن في عدد كبير من الصناعات.
من كتاب: قصص وطرائف عن الفلزات.
تأليف: فينيتسكي سرغي يوسفوفيتش – 1970م.
ترجمة: د. عيسى مسوح.
دار مير للطباعة والنشر – موسكو.
264 صفحة.
موضوعات الكتاب:
- أخف ما هو خفيف.
- فلز عصر الفضاء.
- مناضل ضد الاعياء.
- "فضة" من الطين.
- وليد الأرض.
- الفيتامين "ف".
- لغز الرصاص الأحمر.
- رفيق دائم للحديد.
- الكادح العظيم.
- طلقات مدافع السلام.
- الشيطان النحاسي.
- قديم وشهير.
- "لباس" لقضبان اليورانيوم.
- الشقة رقم (41).
- حليف الحديد.
- من عائلة النبلاء.
- قاس ولكنه لين.
- وليد العذاب.
- الفلز المنير.
- وراء ثلاثة أقفال.
- ملك الفلزات، وفلز الملوك.
- الماء الفضي.
- محطم روما.
- وقود القرن العشرين.