كيف نفهم مشاهد العنف على شاشة التلفزيون؟
تشاهد كثيراً على شاشة التلفزيون مشاهد تعرض لمشكلات بين أشخاص. ولعلك لاحظت أنه كثيراً ما تؤدي هذه المشكلات الى أن يضرب شخص ما أشخاصاً آخرين أو يطلق الرصاص عليهم أو يدهسهم بسيارته أو غير ذلك من الأفعال العنيفة. فلماذا تعرض مثل هذه الأفعال وما مدى الصدق فيها؟ وهل أفعال العنف شائعة في الحياة الحقيقية كما يعرضها التلفزيون؟ وهل العنف هو الوسيلة الأفضل لحل المشكلات التي قد تنشأ بين الناس؟ وما هي الوسائل الأخرى التي يمكن أن يلجأ إليها الانسان لحل مشكلاته مع الآخرين؟
هذه الأسئلة وغيرها، ستجد الاجابة عنها بعد دراستك هذا الفصل وقيامك بالنشاطات الواردة فيه.
1- الحركة السريعة والاثارة
تشاهد في بعض برامج التلفزيون، بخاصة الأجنبية منها، مشاهد تظهر فيها سيارة (كسيارة الشرطة)، تطارد سيارة أخرى تحمل لصوصاً أو أشراراً هاربين من الشرطة. هل سبق أن شاهدت مطاردة كهذه في مدينتك؟ وهل سبق أن شاهدت في الحي الذي تسكنه، أو في مدينتك، مشاجرة عنيفة بين أشخاص كبار؟ أو شاهدت شخصاً يطلق الرصاص على آخر؟
قد تكون شاهدت حادثة أو أكثر مما سبق، لكنك بالتأكيد شاهدت الكثير منها على شاشة التلفزيون. فلماذا يعرض التلفزيون هذه البرامج التي تكثر فيها الحركة السريعة ومشاهد المشاجرات والعنف؟
يرغب كثير من الناس بمشاهدة اللقطات أو المشاهد المثيرة في الأفلام وبرامج التلفزيون. وبالتأكيد، فان مشاهد مطاردة السيارات والمشاجرات هي مشاهد مثيرة. وتأتي معظم الاثارة من الطريقة التي تحدث فيها هذه الأفعال. لاحظ في مشهد مشاجرة مثلاً، كيف يتحدى شخص شخصاً آخر ويستفزه ليتشاجر معه. لاحظ كيف أن اللقطات تتغيّر بسرعة، وكيف أن المخرج يعرض لقطات مكبّرة لوجوه الممثلين ليظهر بوضوح تعابير كل وجه، وليجعلنا أكثر انتباهاً لما يقوله كل منهم. انتبه للموسيقى المرافقة للمشهد، ولاحظ كيف تتغيّر لتجعل المشهد أكثر واقعية واثارة. تذكّر ما درسته عن المؤثرات الضوئية والصوتية والمؤثرات الخاصة في الفصل الرابع، وكيف أنها تساعد في جعل المشهد التلفزيوني يبدو وكأنه مشهد حقيقي.
2- الاعتداء اللفظي والاعتداء الجسدي
لعلك شاهدت في بعض البرامج التلفزيونية، لقطات يظهر فيها أشخاص يقولون عبارات تهدف الى تهديد الآخرين، دون أن يتبعوا عباراتهم هذه بأي تصرّف مؤذ جسدياً. إن قول عبارات التهديد هذه، يعدّ اعتداء لفظياً على الآخرين. اذكر أمثلة من تجاربك الشخصية في المدرسة أو الحي مثلاً.
ولا يقتصر الاعتداء اللفظي على عبارات التهديد فقط، فقد يكون على شكل (مسبّات) أو على شكل سخرية من الآخرين. ومثال ذلك ما يقوله أو يفعله بعض الممثلين في البرامج الفكاهية. اذكر أمثلة على ذلك. لاحظ انه في أغلب الحالات لا يغضب الأشخاص موضوع السخرية، ولا يردون بعنف على من يسخر منهم. لاحظ أن ردهم قد يكون على شكل نكتة أو عمل مضحك مقابل. لكن مثل هذا الرد قد يكون مختلفاً في الحياة الواقعية. فاذا سخر منك شخص، ستغضب حتماً، وقد ترد عليه، أو تهمله وتبتعد عنه. وعلى أية حال، فانك لن تنسى سخريته منك.
بالطبع هناك برامج تلفزيونية يؤدي فيها الاعتداء اللفظي على شخص الى رد فعل عنيف منه، قد يكون على شكل إعتداء جسدي ينتج عنه أذى جسدياً على شكل جروح أو كسور أو حتى موت. لاحظ أيضاً أنه تعرض مشاهد عنف واعتداء جسدي كثيرة دون أن يسبقها إعتداء لفظي. اذكر أمثلة على ذلك.
3- مشاهد العنف الحقيقية
هل كافة مشاهد العنف التي يعرضها التلفزيون وهمية؟ بالطبع لا. تذكّر ما درسته عن الوهم والحقيقة في برامج التلفزيون. يعرض التلفزيون في كثير من الأحيان مشاهد عنف حقيقية، مثل تلك التي نشاهدها في الأخبار أو في بعض مباريات كرة القدم. اذكر أمثلة أخرى. كما يقوم بعض الممثلين بأعمال عنف بسيطة في بعض التمثيليات أو الأفلام، حيث تشاهد شخصاً يصفع آخر على وجهه، أو يؤدي مشهد عراك بسيط معه. لكن لا تنسى أن مثل هذا العنف البسيط هو جزء من السيناريو، أي انه محدّد مسبقا كيف سيكون، وكيف سينتهي.
4- نتائج العنف
أي البرامج التلفزيونية تشاهد فيها عنفاً أكثر؟ان برامج الرسوم المتحركة مثال واضح على ذلك. لاحظ مثلاً ذلك العراك المستمر بين الكلب والقط (توم وجيري). تذكّر كيف أن كلاً منهما يسبّب للآخر أذى جسدياً، قد يكون مميتاً، عدة مرات في البرنامج الواحد. الم يدهشك أنه في كل مرة يعود الحيوان المصاب بالأذى طبيعياً كما كان، ليبدأ عراكاً آخر؟ ألا يكون الأمر رائعاً حقاً لو أن الناس الذين يصابون بأذى جسدي في الحياة الحقيقية، يشفون من إصاباتهم، ويعودون طبيعيين خلال ثوان؟
والآن، تذكّر أوقاتا اضطررت فيها للعراك مع آخرين. ألم تتمنى لو كانت لديك قوة الرجل المتفوّق (السوبرمان)؟ ان أحد اسباب اهتمام الناس بمشاهدة مشاهد العنف على شاشة التلفزيون، رغبتهم في رؤية البطل وهو يقضي على الأشرار. لماذا؟
يرغب كل انسان أن يكون قوياً ونشيطاً وشجاعاً، لا يخاف أحد. هذا أمر جيد فعلاً. ولكن، فكّر قليلاً فيما لو كنت كذلك ودفعك غرورك الى إفتعال عراك مع شخص أقوى منك، فيسبّب لك أذى جسدياً بليغاً. فكّر في الألم الذي ستعاني منه، والوقت الذي ستقضيه في المستشفى أو في الفراش نتيجة ذلك.
وبالمقابل، فكّر لو انك تغلبت على هذا الشخص وسببّت له أذى جسدياً بليغاً، كيف ستتصرف مع موقف أهله منك، ومع الشرطة والمحاكم؟ ستكون حتماً في ورطة كبيرة، وستكون نادماً على كل ما حدث.
انك نادراً ما تشاهد مثل نتائج العنف هذه على شاشة التلفزيون. فما تشاهده في معظم البرامج، مشهداً يظهر بطل الفيلم مثلاً وهو يطلق الرصاص على شخص شرير، فيسقط الشرير على الأرض جريحاً أو ميتاً، وينتهي المشهد. ماذا يقول مثل هذا المشهد؟ هل تفهم منه أن إطلاق الرصاص على الآخرين هو الوسيلة المناسبة لحل المشكلات معهم؟ الاجابة بالطبع هي لا. ان إطلاق الرصاص في الحياة الحقيقية هو بداية سلسلة طويلة من المشكلات، سواء كانت نتيجة ذلك إصابة من يطلق عليه الرصاص بجروح، أو موته. وحتى في حالة الاصابة فقط، فان المصاب سيعاني لفترة طويلة من الألم والتعطل عن الدراسة أو العمل، أو البقاء في المستشفى. إضافة الى كل ما يسبّبه ذلك لعائلته من آلام نفسية ومن جهد ونفقات مالية. وفي كلا الحالتين، الاصابة أو الموت، فلن يسامح أهل الشخص الذي تم الاعتداء عليه، من أطلق الرصاص. وعلى المعتدي أن يتحمل مع أهله الكثير نتيجة عمله هذا. فعليه مثلاً أن يدفع تكاليف معالجة المصاب، وأن يتحمل المحاكمة والسجن، وقد يتعرّض لانتقام أهل المصاب. تذكّر أنك لا تشاهد مثل هذه المشكلات بعد مشاهد العنف على شاشة التلفزيون.
قد تقول أنك تشاهد في بعض برامج التلفزيون رجال الشرطة وهم يطلقون الرصاص على الأشرار أحياناً. هذا صحيح. لكنك لو انتبهت جيداً لما تعرضه هذه البرامج وقارنته بالواقع، لعرفت أن رجال الشرطة لا يطلقون الرصاص الا في حالات قليلة جداً، يكونون فيها مضطرين فعلاً لذلك، والا فانهم سيحاكمون ويواجهون مشكلات أيضاً.
من كتاب: التربية التلفزيونية
تأليف: حيدر جميل المدانات
منظمة الأمم المتحدة للطفولة - يونيسف
ثمانية فصول – 130 صفحة
فصول الكتاب:
- لماذا نشاهد التلفزيون؟ ومتى نشاهده؟
- ما هو التلفزيون؟
- البرامج التلفزيونية وانتاجها.
- الحقيقة والوهم على شاشة التلفزيون.
- ما أهمية الاعلانات التلفزيونية؟ وكيف نفهمها؟
- كيف نفهم مشاهد العنف على شاشة التلفزيون؟
- شخصيات نشاهدها على شاشة التلفزيون.
- العالم الحقيقي على شاشة التلفزيون.