ما تأثير الحقائق المتناقضة على معتقداتك؟
قال توماس جيفرسون أن جمهور الناخبين المطلع هو شرط أساسي للديمقراطية، ولكنه افترض أن الناس قد يغيرون آرائهم حين يواجهون بالحقائق وأن معتقداتهم قد تقترب من الحقيقة أكثر، ولكن تبين فيما بعد أن الأمر ليس كذلك.
نفضل أن نكون على حق من أن يتم تصحيح رأينا:
في عام 2010، قام عالما السياسة بريندان نايهان وجايسون رايفلر بتوزيع مقالات على مجموعتين من الأشخاص حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل قبل الغزو الأميركي. ثم قرأت إحدى المجموعتين مقالاً يصحح هذه المعلومة وهو تقرير ديوليفر Duelfer والذي أثبت أن العراق لم يكن يمتلك مثل هذه الأسلحة. وتبين بالنتيجة أن المجموعة التي قرأت المقال الأول فقط تعتقد بنسبة 34% بأن العراق كان فعلاً يمتلك أسلحة الدمار الشامل قبل الغزو. أما المجموعة التي قرأت المقالين فقد ارتفعت لديها هذه النسبة لتصبح 64%. فالحقائق المتناقضة لم تغير معتقداتهم ، بل جعلتها أقوى.
لماذا نصر على آرائنا:
لم يحدث هذا؟ يمكن أن ينظر إلى تأثير النتائج العكسية على أنه الوجه الآخر لتحيز التأكيد فهو يجعلك تسعى وراء المعلومات التي تؤيد معتقداتك المتأصلة، فتأثير النتائج العكسية هو ما تفعله عندما تصادفك المعلومات التي لا تتوافق مع تلك المعتقدات. في كلا الحالتين يحميك عقلك من ألم الإحساس بالخطأ وهو حالة من التناقض يدعوها أخصائيو علم النفس "التنافر المعرفي".
يقول توماس جيلوفيتش في كتابه (كيف تعرف أن الأمر ليس كذلك) إننا نميل إلى صياغة معلومات جديدة بشكل تتوافق فيه مع ما نعتقده أصلاً.
نحن نقاوم الحقيقة ولسنا محصنين ضدها:
تكبدت دار أوكسفورد للنشر عناء مطابقة نتائج دراسة نايهان ورايفلر مع مجموعات إيديولوجية أخرى ويبدو أنها قدمت صورة أكثر تفاؤلاً حول تأثير الحقائق على صناعة الجدل. ويبدو أن بحثاً آخر قد بين أنه بينما لا يرغب معظم الناس بالتخلي عن معتقداتهم التي تبنوها طوال حياتهم لدى أول ظهور لحقيقة تناقض تلك المعتقدات، فإن تمتع المصدر بالموثوقية والمضمون الواقعي للحقيقة يجعل الأمر مختلفاً. وبطريقة مماثلة فقد وجدت مؤسسة Full Fact وهي مؤسسة غير ربحية في المملكة المتحدة، أن العديد من الدراسات لم تجد دليلاً على تأثير النتائج العكسية، أما الدراسات التي وجدت الدليل فعلاً فكان ذلك حول مواضيع غامضة ومثيرة للجدل.
يرى فيليب تيتلوك وبابرا ميلرز أن أهم عامل لتجنب التحيز المعرفي هو وجود رأي خارجي. فحين تقدم الحقائق المتناقضة من داخل النظام الخاضع للتدقيق ـ كما هو الحال في دراسة نايهان ورايفلر ـ فمن السهل صرف النظر عنها على اعتبار أنها دعاية أو أخبار زائفة أما حين تأتي هذه الحقائق من مصدر خارجي نزيه وموثوق فهي على الأرجح ستحفز الفضول وهو الخطوة الأولى باتجاه اكتساب المعلومة الحقيقية.