كيف يتغيّر الانسان بعد الأحداث المؤلمة؟
تدخل الأحداث المؤلمة تغييراً في حياتنا، سواء كانت التجارب التي يتعرض لها الجنود اثناء الحروب او وفاة أحد الأحباء أو الاعتداء الجنسي أو الانفصال في العائلة وغير ذلك من التجارب والمواقف المؤلمة ، فهي تسبب مستوى استثنائياً من الضغط ومزيجاً من المشاعر الشديدة الأخرى والتي تترك في بعض الأحيان أثراً دائماً. كما يمكن للصدمة أن تكون أساس المشكلات الصحية، وتكرار الخلل في العلاقات، والنقص في الطاقة اليومية، وسبباً لمعاناة أكبر في السلامة العقلية التي يواجهها الناس خلال حياتهم. وبالمقابل يمكن لهذه التجارب الأليمة أن تكون حافزاً للتحول الإيجابي والتي يشير إليها العلماء بعبارة "تطور ما بعد الصدمة".
لقد تم توثيق ودراسة هذا المفهوم جيداً عبر العقدين الأخيرين، ويشار إليه حين يواجه الشخص تطوراً شخصياً واضحاً بعد واقعة مؤلمة سببت له صراعاً على المستوى النفسي والأخلاقي والمعرفي. وقد توصلت إحدى الدراسات التمهيدية الجديدة إلى النتيجة باحتمال وجود خمسة مظاهر مختلفة للتطور ما بعد الصدمة يتوزع بموجبها الأشخاص حسب شخصياتهم.
وجد الباحثون أن "تطور ما بعد الصدمة" يظهر عبر المجالات التالية :
- تنامي القوة الشخصية: حين يختبر المرء إحساساً أكبر بالثقة بالنفس.
- اغتنام الفرص الجديدة: حين يجد المرء سبيلاً جديداً في الحياة لم يكن ليوجد لولا الصدمة.
- زيادة الارتباط بالآخرين: حين يصبح المرء أكثر قرباً من الآخرين، وينشاً تعاطف أكبر نتيجة للصدمة.
- تقدير الحياة: حين يثمن المرء تجاربه اليومية بشكل أكبر بعد الصدمة.
- التغير الروحي والوجودي: حين يشعر المرء بأنه أصبح يفهم بشكل أفضل الأمور الروحية ويتطور لديه إحساس أكبر بالتناغم مع العالم.
يمكن للإنسان أن يختبر تطوراً في كل من هذه االمجالات الخمسة بدرجات مختلفة، حين يرى الباحثون المشاركون بدراسة جديدة أنه من الممكن اختبار "تطور ما بعد الصدمة" بطرائق مختلفة من ناحية النوعية، فالأشخاص الذين اختبروا هذا التطور بشكل كبير في القوة الشخصية والفرص الجديدة قد يختلفون من الناحية الكيفية عن أولئك الذين اختبروا هذا التطور بشكل معتدل في كل المواقع الخمسة، حتى لو أن كلا المجموعتين ربما تظهر لديهما مستويات متشابهة من "تطور ما بعد الصدمة".
نشرت هذه الدراسة في مجلة "الشخصية والاختلافات الفردية"، وتم فيها استفتاء حوالي (900) طالب جامعي حول تجربتهم مع الصدمة، وأية تغيرات ايجابية حدثت لهم بسببها، والنماذج العامة لشخصياتهم. وجد الباحثون أن الناجين من الصدمة يتوزعون بشكل عام على أحد النماذج الخمسة المختلفة لتطور ما بعد الصدمة، وأن هناك بعض الروابط بين النماذج (أو المظاهر) وسمات معينة في الشخصية.
المظاهر المختلفة للتطور هي كالتالي:
1- تغيير روحي ضعيف: يتغير أولئك الأشخاص بشكل معتدل عبر كل مواقع "تطور ما بعد الصدمة" ما عدا التغير الروحي، وهذا يعني أنهم يتطورون في ناحية المقدرة الشخصية إلى حد ما على الأقل، ويرون فرصاً جديدة تنفتح أمامهم ويزداد ارتباطهم بالآخرين وتقدير الحياة، ولكن لا علاقة لأي من هذه النواحي بالأمور الروحية. إن لدى الأشخاص من هذه الفئة أقل ارتباط واضح بنماذج الشخصية الخاصة.
2- تطور ضعيف: وهم الأشخاص الذين نادراً ما اختبروا التطور. وباستثناء تقدير أعلى بقليل للحياة، فقد شهدوا مقداراً ضئيلاً جداً من التطور عبر كل مواقع "تطور ما بعد الصدمة"، وتطوراً ضعيفاً بالإجمال. يتطابق هذا المظهر بشكل عام مع المستويات المتدنية من التقبل، وهذا يعني أن نوعية الأشخاص الذين يختبرون مستويات متدنية عموماً من "تطور ما بعد الصدمة" يميلون لأن يكونوا أقل حناناً ولطفاً وتعاطفاً (وهذا ربما يكون مفهوماً على مستوى الحدس).
3- التطور الفردي: يقع حوالي ربع الأشخاص ضمن هذا المظهر. وهم الأشخاص الذين يتركز تطورهم على أنفسهم كأفراد، إذ يتشكل التطور لديهم بعد الصدمة عبر زيادة المقدرة الشخصية والفرص الجديدة في الحياة. إن الشخصية منفتحة العقل ـ أي الشخص المنفتح للتجارب الجديدة، والفضولي، والذي يولي انتباهاً أكثر لمشاعره ـ هي التي ترتبط بشكل خاص بهذا المظهر من "تطور ما بعد الصدمة". إن الأشخاص الذين تفاعلوا مع الصدمة بتطور فردي يميلون أيضاً لامتلاك مستوىً متدنٍ بعض الشيء من إحدى سمات الشخصية وهي "الانفعالية أو العاطفية" ويعني ذلك مجموعة سلوكيات ذات حساسية مفرطة، منها الخوف من الخطر، قابلية التأثر بالضغوط، التقمص العاطفي، والروابط العاطفية مع الآخرين. وهذا يعني أنه إذا لم يكن الشخص عاطفياً بشكل خاص، فربما يكون هذا الأمر إحدى الطرائق المحتملة للتطور بعد حادثة أليمة.
4- التطور الكبير: يقع حوالي ثلث الأشخاص ضمن هذه الفئة، فهم الذين يشهدون تطوراً عاماً شديداً، أي تطوراً بالغاً دون الأخذ بعين الاعتبار للمواقع التي حدث فيها هذا التطور، ويبرز التغير الروحي والتقدير للحياة بشكل خاص. يرتبط نموذج هذه الفئة بالانبساط (الاهتمام بكل ما هو خارج عن الذات)،. وهذا يعني أن الأشخاص الاجتماعيين وغير المتحفظين هم الذين يتطورون ضمن هذا النمط والذي يرتبط أيضاً بانفتاح الفرد وانفعاليته أي أن الأشخاص الأكثر انفتاحاً أمام التجارب والأكثر عرضة للضغط والتقمص العاطفي والنزعة للتأثر بالعاطفة هم الذين يختبرون هذه المستويات المرتفعة من "تطور ما بعد الصدمة".
5- التطور الروحي الأكبر: وهو عكس المظهر الأول، فالأشخاص في هذه الفئة اختبروا تطوراً روحياً عالياً وكذلك تضخم في القدرة الشخصية والقدرة على الارتباط بالآخرين. يرتبط الشخص ذو الانفعالية القوية والانفتاح القليل بهذه الفئة، وهذا يعني أن الأشخاص الذين لا يتمتعون بالكثير من انفتاح الذهن ويكونون عرضة للضغط، والتقمص العاطفي يرجح أن يكون تطورهم عبر التغير الروحي.