كيف يؤثر الفساد على الاقتصادات الناشئة؟
يعاني الإقتصاد في معظم دول العالم من ارتفاع مستوى الفساد - والتي تنطوي على سوء استخدام السلطة في من ناحية استخدام الأموال أو السلطة لتحقيق أهداف معينة بطرائق غير مشروعة أو غير شريفة أو غير عادلة -، وبالتالي لن تكون قادرة على الازدهار المثمر كما هي الحال في الاقتصادات ذات المستوى منخفض الفساد. الاقتصادات الفاسدة ليست قادرة على العمل بشكل صحيح لأن الفساد يمنع القوانين الطبيعية للاقتصاد من العمل بحرية. وبالتالي يتسبب الفساد في العمليات السياسية والاقتصادية على المستوى الوطني في معاناة مجتمعها بالكامل.
إن متوسط الدخل في البلدان ذات مستوى الفساد المرتفع يبلغ حوالي ثلث دخل البلدان ذات مستوى الفساد المنخفض، وفقًا للبنك الدولي. كما أن معدل وفيات الرضع في هذه البلدان أعلى بثلاثة أضعاف، ومعدل الإلمام بالقراءة والكتابة أقل بنسبة 25 ٪. لم تتمكن أي دولة من القضاء على الفساد بشكل كامل، لكن الدراسات أظهرت أن مستوى الفساد في البلدان ذات اقتصادات السوق الناشئة أعلى بكثير منه في البلدان المتقدمة.
ارتفاع أسعار مقابل جودة منخفضة:
يكمن الفساد في طريقة عقد الصفقات أو منح العقود أو تنفيذ العمليات الاقتصادية، ويؤدي إلى الاحتكارات أو احتكار القلة في الاقتصاد. يستطيع أصحاب الأعمال الذين يمكنهم استخدام صلاتهم أو أموالهم لرشوة المسؤولين الحكوميين التلاعب بالسياسات وآليات السوق للتأكد من أنهم المزود الوحيد للسلع أو الخدمات في السوق. يميل المحتكرون، لأنهم لا يضطرون إلى التنافس مع مقدمي الخدمات البديلين، إلى الحفاظ على أسعارهم مرتفعة ولا دافع لديهم لتحسين جودة السلع أو الخدمات التي يقدمونها بسبب القوى الفاعلة في السوق، والتي كان من الممكن أن تؤثر عليهم لو كان لديهم قدرة كبيرة على المنافسة.
إن تلك الأسعار المرتفعة هي جزء لا يتجزأ من التكاليف غير القانونية للمعاملات الفاسدة التي كانت ضرورية لإنشاء مثل هذا الاحتكار. فإذا اضطرت، على سبيل المثال، إحدى شركات إنشاء المنازل إلى دفع رشاوى للمسؤولين لمنحها تراخيص للعمليات، فستنعكس هذه التكاليف المتكبدة بطبيعة الحال على شكل أسعار إسكان مرتفعة بشكل وهمي.
موارد مخصصة بشكل غير فاعل:
تختار الشركات وفقاً لأفضل الممارسات مورديها عبر معاملات المناقصة (طلبات العطاء أو طلبات العروض)، والتي تعمل كآليات لتمكين اختيار الموردين الذين يقدمون أفضل مزيج من السعر والجودة. وهذا يضمن التخصيص الفاعل للموارد. أما في الاقتصادات الفاسدة، غالبًا ما ترسي على الشركات غير المؤهلة بالفوز بأي مناقصات، مشاريع معينة نتيجة لمناقصات غير عادلة أو غير قانونية (مثل المناقصات التي تتضمن عمولات ). ينتج عن هذا إنفاق فائض عن الحد في تنفيذ المشاريع، أو مشاريع فاشلة أو مشاريع أدنى من المستويات المحددة، مما يؤدي إلى عدم فاعلية استخدام الموارد. قد تكون المشتريات العامة أكثر عرضة للاحتيال والفساد بسبب الحجم الكبير للتدفقات المالية المرصودة لها. تشير التقديرات إلى أن المشتريات العامة في معظم البلدان تشكل ما بين 15 ٪ و30 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
التوزيع غير العادل للثروة:
تتسم الاقتصادات الفاسدة بوجود طبقة متوسطة صغيرة نسبياً وانحراف كبير بين مستويات معيشة الطبقة العليا والطبقة الدنيا. وبما أن معظم رأس مال الدولة متراكم في أيدي القلة أو الأشخاص الذين يدعمون المسؤولين الحكوميين الفاسدين، فإن غالبية الثروة الناشئة تتدفق أيضًا على هؤلاء الأفراد. الشركات الصغيرة غير منتشرة على نطاق واسع وعادة ما يتم تثبيطها لأنها تواجه منافسة غير عادلة وضغوط غير قانونية من قبل الشركات الكبيرة المرتبطة بمسؤولين حكوميين.
تحفيز منخفض للابتكار:
بما أنه يمكن وضع قدر ضئيل من الثقة في النظام القانوني للاقتصادات الفاسدة التي يمكن فيها تزوير الأحكام القانونية، لا يمكن للمبدعين المحتملين أن يكونوا على يقين من أن اختراعاتهم ستتم حمايتها من خلال براءات الاختراع، ولن يتم نسخها من قبل أولئك الذين يعرفون أنه يمكنهم التنصل منها عن طريق رشوة السلطات. لذا هناك مثبط للابتكار، ونتيجة لذلك فإن البلدان الناشئة عادة ما تكون مستوردة للتكنولوجيا، لأن هذه التكنولوجيا لا يتم إنشاؤها داخل مجتمعاتها.
وجود اقتصاد الظل:
تميل الشركات الصغيرة في البلدان الفاسدة إلى تجنب تسجيل أعمالها رسميًا لدى السلطات الضريبية لتجنب الضرائب. لذلك فإن الدخل الناتج عن عدة شركات يتواجد خارج الاقتصاد الرسمي، وبالتالي لا يخضع للضريبة الحكومية أو المدرجة في حساب الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ومن ضمن الجوانب السلبية الأخرى لشركات الظل أنها عادة ما تدفع لموظفيها أجورا أقل من الحد الأدنى للمبلغ الذي حددته الحكومة ولا توفر ظروف عمل مقبولة، بما في ذلك مزايا التأمين الصحي المناسبة للموظفين.
انخفاض معدل التجارة والاستثمار الأجنبي:
الفساد هو أحد العوامل المثبطة للاستثمار الأجنبي. سيتجنب المستثمرون الذين يسعون إلى بيئة أعمال عادلة وتنافسية الاستثمار في البلدان التي يوجد فيها مستوى عال من الفساد. تظهر الدراسات وجود صلة مباشرة بين مستوى الفساد في بلد ما وقياسات القدرة التنافسية لبيئتها التجارية.
سوء التعليم والرعاية الصحية:
تظهر ورقة عمل لصندوق النقد الدولي (IMF) أن للفساد تأثير سلبي على جودة التعليم والرعاية الصحية المقدمة في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة. يزيد الفساد من تكلفة التعليم في البلدان التي تلعب فيها الرشوة والصلات غير المشروعة دوراً مهماً في توظيف المعلمين وترقيتهم. ونتيجة لذلك تنخفض جودة التعليم. كما أن الفساد في تعيين مقدمي الرعاية الصحية وتوظيف الأفراد، وكذلك شراء اللوازم والمعدات الطبية، في الاقتصادات الناشئة يؤدي إلى عدم كفاية الرعاية الصحية وتكون الإمدادات الطبية دون المستوى المطلوب أو مقيدة، مما يقلل من الجودة الشاملة للرعاية الصحية.