تقوية الذاكرة العاملة أكثر أهمية من معدل الذكاء
الدماغ أهم ما يملكه الإنسان، خاصة ضمن مجتمع خلاق كوقتنا الحاضر. الذكاء هو ما يمثل الإغراء هذه الأيام. لذلك عليك أن تستغل كل ذرة من قدرات عقلك، والطريقة الأفضل لتحقيق ذلك هي في الاستفادة القصوى من مصادرك الذهنية المحدودة.
لا يمكنك للأسف زيادة حاصل الذكاء لديك (رغم وجود العديد من الآراء المختلفة حول ذلك)، إلا أن هناك بالتأكيد أكثر من طريقة يمكنك بواسطتها الوصول إلى الحد الأقصى من المعرفة والإبداع، ويجب أن يكون ذلك كافياً، لأن معظم الناس يعيشون للأسف بطريقة أقل من القدرات التي يملكونها.
أول شيء يمكنك أن تفعله لتصبح أذكى هو بتطبيق أفضل تقنيات التعلم، وبالتالي زيادة الاستفادة من الذاكرة طويلة المدى والذكاء المحدد، الأمر الثاني – وهو على درجة متساوية من الأهمية – لكي يعمل دماغك بالسرعة القصوى، هو في رفع مستوى ذاكرتك العاملة.
إن تحسين قوة وسرعة الذاكرة العاملة، والتوجيه الصحيح للذاكرة طويلة المدى، هما في النهاية أكثر أهمية من معدل الذكاء لأنه ثابت إلى حد ما، بينما يمكنك حتماً توجيه هذين النوعين من الذاكرة.
سنشرح هذه المصطلحات وسبب أهميتها لقدراتك الذهنية، وفوق كل ذلك الطريقة التي يمكنك بها تحسين ذاكرتك والاستفادة القصوى من قدرات دماغك.
أنواع الذاكرة الثلاث:
من المعلوم أن هناك ثلاثة أنواع للذاكرة:
الذاكرة الحسية – الذاكرة طويلة المدى – الذاكرة القصيرة المدى أو العاملة.
تعتمد الذاكرة الحسية على حواسك الخمسة (البصر – السمع – الشم – الذوق – اللمس)، وتدوم لعدة ثوان فقط، ويمكنك تخزين حوالي (12) جزء من المعلومات فوراً. ترتبط الذاكرة الحسية والذاكرة القصيرة عن طريق الانتباه (وهذا هو الجزء الذي يمكنك من خلاله تدريب مجال انتباهك).
إنك تركز فقط على عدة عناصر ضمن محيطك وتستبعد كافة العناصر الأخرى. ويتحول ما تركز انتباهك عليه من الذاكرة الحسية إلى الذاكرة العاملة، حيث يمكنك تخزين حوالي (4) أجزاء من المعلومات ضمن الذاكرة القصيرة.
تتلاشى الأشياء من ذاكرتك العاملة خلال حوالي 30 -60 ثانية أو ربما أقل، لذلك عليك أن تبذل جهداً لتتعلم كيفية نقل الأشياء من ذاكرتك العاملة إلى ذاكرتك طويلة المدى (بواسطة المراجعة، التكرار وممارسة الاستعادة إلى الذهن). ومن حسن الحظ أن ذاكرتك طويلة المدى هي بمثابة مستودع كبير يمكنك أن تخزن فيه كل ما تريده تقريباً إذا بذلت جهداً من أجل ذلك.
باختصار، هناك ثلاثة أنواع متصلة من الذاكرة:
- الذاكرة الحسية: كل ما تنتبه له.
- الذاكرة العاملة: كل ما تفكر به في اللحظة الحاضرة.
- الذاكرة طويلة المدى: استطاعة غير محدودة ودائمة تقريباً (لا بد من المراجعة بين حين وآخر).
كل ما تحتاج معرفته حول الذاكرة العاملة:
تعتبر الذاكرة العاملة كل ما تفكر به في اللحظة الحاضرة، لذلك أنت بحاجة إليها طوال الوقت للعمل اليومي – للاستنتاج، التعلم، والإدراك، إنها تشبه ذاكرة RAM في الكومبيوتر ولكنها تتعب بمرور الوقت.
تساعدك الذاكرة العاملة على تركيز انتباهك، الاحتفاظ بالمعلومات، دراسة الأفكار والمشاريع، تنظيم المعلومات وتشغيلها، حل المسائل، تحليل الخيارات (التفكير التحليلي)، اتخاذ القرارات، إيجاد أنماط جديدة (الابتكار) وما إلى ذلك.
إذا لم تعمل الذاكرة العاملة بحدها الأقصى، فإنك أمام مشكلة في التعلم والتركيز، الفهم، القراءة، الحفظ، التنظيم، والتقيد بالمواعيد، وعدم نسيان الأمور، والمحافظة على متابعة الأمور، إيجاد الأشياء وغير ذلك من المور الكثيرة الأخرى ، لذلك فهي جديرة بأن تحاول الحصول على أقصى ما يمكن منها.
ومن حسن الأمور أن بإمكانك تدريب ذاكرتك العاملة لتصبح أقوى وأفضل.
النواحي السلبية في الذاكرة العاملة:
الذاكرة العاملة فعالة جداً، ولكن لها عدة نواح سلبية وهي:
1- تستهلك الكثير من الموارد.
2- صغيرة جداً.
3- يمكن تشتيتها بسهولة أو إغراقها بالمشاعر.
تصاب الذاكرة العاملة بالتعب بعد فترة. عندما تتخذ أحد القرارات الصعبة تضعف قدرتك على اتخاذ القرار الذي يليه، كما أنه من السهل أن يتدنى مستوى أداء الذاكرة العاملة وأن تنتقل بسهولة من التركيز على أمر إلى أمر آخر.
عندما يثيرك أمر ما عاطفياً، أو يشتت انتباهك، تختفي المعلومات من ذاكرتك الحسية. نطلق عادة مصطلح (ترددات الموجة العقلية) على قدرات الذاكرة العاملة، وبدون ذلك تتراجع كثيراً قدراتك الإبداعية والتحليلية والتعليمية.
الحصول على أفضل ما يمكن من الذاكرة العاملة:
بما أن ذاكرتك العاملة صغيرة ويمكن تشتيت انتباهها، عليك أن تتعلم كيفية إدارتها بالشكل الصحيح، وهنا يمكنك أن تزيد من قدراتك الذهنية إضافة إلى تعلم أشياء جديدة باستمرار.
يحتاج تعزيز ذاكرتك العاملة إلى الوقت والجهد، ولكن الأمر يستحق ذلك. ابدأ بأبسط خيار لك كفرد، ثم قم بالتأسيس لذاكرتك العاملة من هذا المنطلق. سنتعمق في الفقرات التالية في بيان كافة التقنيات التي تساعدك على تحسين ذاكرتك العاملة.
التخلص من كل ما يشتت الانتباه – تفادي المهام المتعددة:
تشتيت الانتباه هو العدو الأول للذاكرة العاملة، حيث يمكن تحويل انتباهها بسهولة مما يشكل مشكلة كبيرة، لأنه عندما يتشتت انتباهك تزول كل الأفكار التي تعمل عليها من ذهنك.
عندما يقاطعك شخص ما أو شيء ما، تستغرق عودتك إلى ما كنت تعمل عليه من 15 – 60 دقيقة، حتى أنك في بعض الأحيان لن تتمكن من العودة إلى مسار العمل مطلقاً، حيث يتم صرف قدرة ذاكرتك العاملة على شيء غير ما كنت تخطط لإنجازه.
لذلك فإن أول نصيحة لرفع قدرة ذاكرتك العاملة إلى الحد الأقصى هي في وضع مساحة لفترات محددة ومنظمة من الوقت دون أي إلهاء، من أجل العمل والتعلم. عليك أن تقلص إلى أدنى حد من المنبهات ضمن المحيط، وتركز على مهمة واحدة فقط. لكي تتمكن من كسب أكبر قدر ممكن من ذاكرتك العاملة:
- أغلق التلفاز والهاتف وافصل نفسك عن كل ماله علاقة بالإنترنت.
- لا تصرف حزمة ذهنك على الأخبار والثرثرة والعادات السيئة الأخرى
- ضع إشارة (يرجى عدم الإزعاج) على بابك.
- قلل ما أمكن من الأشياء في محيطك (إزالة الضوضاء والفوضى)
- لا تعمل بمهام متعددة، بل ركز على مهمة واحدة فقط.
- احظ بيوم دون مقاطعة.
- درب مساحة انتباهك – وهي صلة الوصل بين الذاكرة الحسية والذاكرة العاملة (ليس من المعتاد أن تجد نفسك فجأة وحيداً في الغرفة تنعم بالسلام والهدوء مع وجود عالم من التشتيت المستمر).
الإدارة الصحيحة للمشاعر:
يمكن للأمور التي تشتت الانتباه أن تكون داخلية أو خارجية. تشمل الأمور الداخلية الأفكار والمشاعر التي تحتل ذاكرتك العاملة في حين أن لديك أموراً أكثر أهمية عليك القيام بها، لذلك العدو الثاني لقدرة الذاكرة العاملة هو أي مشاعر قاسية سواء كانت إيجابية أم سلبية.
ترهق المشاعر العاطفية الشديدة ذاكرتك العاملة. فتصبح مخدراً وتنظر إلى العالم بطريقة مشوهة، ويتشتت انتباهك كلياً. ربما تعلم أن ذاكرتك العاملة تتوقف عن العمل عندما تعيش حالة حب.
- إذا كنت قلقاً من شيء ما عاطفياً، حاول أن تجد حلاً له بأسرع ما يمكن (افتح حواراً، اسأل عما يثير فضولك)
- إذا لم تتمكن من حل ذلك العبء العاطفي فوراً، تنفس بعمق عدة مرات، دوّن ذلك، اذهب إلى صالة للألعاب الرياضية، أو حاول أي من أساليب تخفيف الضغط الأخرى.
- تعلم كيف تتحكم بشكل صحيح بالذكريات العاطفية.
- يمكن في بعض الأحيان أن يعود جسمك للاستقرار العاطفي بمجرد فترة من الانتظار.
- لا تحمل نفسك أكثر مما يجب أو تشعر بالذنب. تعلم أن تضع حدوداً لالتزاماتك.
- تحكم بفائض المعلومات بشكل صحيح.
- ضع لنفسك شبكات أمان: مبالغ للطوارئ ،العديد من الأصدقاء ، تأمينات.
- اعمل على ثقتك بنفسك.
- تأمل وفكر ملياً.
تحرير ذاكرتك العاملة:
أنت ترغب بتحرير ذاكرتك العاملة (ترددات الموجة العقلية) من الأشياء التافهة، وأن تفسح المجال أمام التعلم الفعلي والعمليات الذهنية الهامة. يمكنك أن تلجأ إلى طريقة وضع لائحة بالأعمال الواجب تنفيذها، أو ملاحظات للتذكير، ولوائح بما تم انجازه فيها. يرتدي مارك زوكربيرغ نفس التصميم من الملابس كل يوم، كي لا يضطر لشغل ذاكرته العاملة بهذا النوع من القرارات، فهو يستغل كل ما لديه في ذاكرته من اجل تطوير عمله.
هناك عدة طرق تمكنك بسهولة من تحرير ذاكرتك العاملة:
- لا تفكر إذا لم يكن هناك حاجة لذلك.
- اكتب الأفكار والأشياء على لائحة الأعمال الواجبة.
- ضع خارطة تفكير ونماذج أصلية لإخراج الفكرة إلى العالم الواقعي ولا تبقى في ذهنك.
- ارسم صورة للأشياء، لأن صورة واحدة تساوي آلاف الكلمات.
- حاول دائماً تقليص عدد الخيارات باستبعاد تلك التي تعرف بأنك لن تختارها.
- تناول وجبات عادية كي لا تضطر لاختيار ما عليك تناوله من طعام.
- لتكن ثيابك موحدة كي لا تضطر للتفكير كثيراً فيما عليك ارتداؤه.
- ليكن لديك لوائح لتخفف عنك عبء اتخاذ القرارات،لائحة بالأفلام،لائحة للمطالعة،لائحة للتعلم،لائحة للسفر.
- قم بتجزئة المهام المركبة بشكل مناسب.
- خفف أحلام اليقظة إذا لم تكن موجهة نحو حل مبدع.
- بسط الأمور وكذلك طريقة معيشتك بشكل عام قدر الإمكان.
- استخدم الأتمتة – قم بالتوكيل – الإلغاء – الإقلال والتصغير.
- تأمل وفكر ملياً.