هل يمكن أن نتوقف عن التفكير؟
كثيراً ما نجد أنفسنا في دوامة لا نهاية لها من الأفكار : لابد من إرسال السيارة للصيانة غداً – هل أطفأت المدفأة؟ يجب أن أذهب غداً الى السوق لشراء ما ينقصني من أغراض - لم يثير هذا الشخص كل الضوضاء؟ - أشعر كأنني أعرف هذا الشخص.
على الرغم من أن معظمنا يحاول جاهداً إيقاف هذا السيل المتدفق من الأفكار المتسارعة إلا أننا غالباً ما نفشل في ذلك ، لماذا ؟
يعتمد الأمر على كيفية تعريف كلمة (التفكير) فالفكرة هي نتيجة للإثارة الكيميائية فيما بين خلايا الدماغ ويمكن أن تحدث ضمن مستوى الوعي واللاوعي أيضاً.
نظرياً يمكن إسكات الأفكار الواعية كالتي تبرز فجأة عندما نحاول النوم، وهذا ما يفترض به أن يكون التأمل ، ولكن حتى لو كان هذا ما يحاول المتأملون جاهدين فعله، فليس من الواضح مدى الحالة الخالية من التفكير التي يتمكنون من تحقيقها. ترى جوليا كام أخصائية علم الإدراك في مختبر نايت بجامعة كاليفورنيا بيركلي أنه لا يمكن التأكد من حقيقة إمكانية توقف التفكير نظرياً، أما إذا كان الأمر كذلك فسيكون من الصعب جداً اختباره.
ومن الواضح أن المتأملين أكثر توافقاً مع ماهية أفكارهم، لذلك حين يفترض أن يكون تركيزهم على شيء ما ثم يتحول ذهنهم إلى أمر آخر، فهم يجيدون استعادة ذلك الانتباه.
هناك فرق بين أن يكون لديك فكرة وأن تكون مدركاً لوجودها، لذلك إذا سألت أحدهم عما يفكر به ويجيب بلا شيء فمعنى ذلك أنه ليس مدركاً بوجود الفكرة ، مثلاً ربما تكون مستغرقاً بتفكير عميق حول علاقة ما أو حول اختبار قادم وتصبح واعياً له بمجرد أن يربت أحدهم على كتفك وينتزعك منه. يمكن لمن يفكر (بلا شيء) أن يكون في حالة من سيل من الأفكار الواعية التي لا تشكل قصة متماسكة.
لا يتوقف الدماغ عن التفكير أبداً بالمعنى الواسع للكلمة، حيث تحدث معظم الأفكار في خلفية اللاواعي ، فمثلاً عندما ترى وجهاً مألوفاً في حشد من الناس وتعتقد أنك تعرفه قد لا تستطيع أن تستنتج كيف تعرفه مباشرة ولكن ربما بعد مضي ساعات ستتذكر ذلك فجأة ، وهذه نتيجة تفكير دماغك في خلفية اللاوعي.
حتى أن عملية اتخاذ القرار تحدث غالباً في اللاوعي. واحياناً ينتج عنه ما نسميه "شعور الحدس" ، حيث يقوم الدماغ بطحن المعلومات والكثير من الأرقام ويستخرج شعوراً بالحدس نتوافق معه كلية ، ولكن لا يملك الإنسان دائماً سبيلاً واعياً للوصول إلى عملية اتخاذ القرار في الذهن لذلك نبتدع رواية ما لتبرير وتفسير القرار وقد تكون صحيحة بعض الأحيان، وغير صحيحة أحياناً أخرى.
إن تعريفك لكلمة (تفكير) هي الحل ، إذا كنت تعتبر أن التفكير بمثابة حوار داخلي مع النفس، عندها يمكنك إيقاف ذلك الحوار الداخلي عندما ترغب بذلك ، أما إذا التفكير يعني بالنسبة لك أسئلة مبعثرة واجابات مبهمة وتكرار لما تعرفه مسبقا او تكرار لما تسمعه من الآخرين ، فإنك لن تتمكن من التوقف عن التفكير ابداً ، ولن تتمكن من تحقيق "حالة فكرية خالية" بين الحين والآخر وذلك عبر التأمل ، والتي يعتقد الخبراء انها ضرورية لتخليص الدماغ من الأفكار الثانوية غير الضرورية والتي يمكن اعتبارها بمثابة ( الشوائب ) .