لماذا ننام تحت بطانية حتى في أكثر الليالي حرارة؟
يعدّ استخدام الأغطية للنوم في الزمن الحاضر أمراً عادياً، أما تاريخياً، فإن الجهد المبذول في حياكة الملاءات الكبيرة رفعت من أسعار الأغطية إلى حد لا يمكن لمعظم الناس تحمله. فمن ملاءات السرير المصنوعة من الكتان في مصر حوالي عام 3500 قبل الميلاد، إلى الملاءات الصوفية خلال عصر الإمبراطورية الرومانية، مباشرة إلى القطن في أوروبا العصور الوسطى، كانت أغطية السرير للأثرياء فقط.
بحلول أوائل العصر الحديث في أوروبا، والذي تلا العصور الوسطى، ازداد الإنتاج إلى حد أن عدداً أكبر من عائلات الطبقة المتوسطة تمكنت من تحمل كلفة أغطية السرير بالرغم من صعوبة ذلك، إذ أن تأمين ما يتطلبه تجهيز السرير من أغطية قد يكلف ما يعادل ثلث قيمة إجمالي الممتلكات المنزلية.
ومثال آخر على جودة أغطية النوم أو البطانيات، فقد كان هناك عدد لا بأس به من الأبحاث حول الأثر المهدئ للبطانية الثقيلة والتي يمكن أن يصل وزنها إلى (15) كغ، فقد بنيت الدراسات أن هذه الأغطية يمكنها الحد من التوتر بل وقد تستخدم في معالجة التوحد.
ترى الدكتورة أليس هوغلاند مديرة عيادة الأرق في مركز معالجة اضطرابات النوم في روشستر/ نيويورك أن الحاجة للغطاء يتضمن عاملين، فهناك العامل السلوكي والعامل الفيزيولوجي، والأخير هو الأوضح لذلك سنبدأ بالتعمق فيه أولاً.
قبل حوالي 60 -90 دقيقة من موعد النوم المعتاد، يبدأ الجسم بفقدان درجة الحرارة الداخلية، والتفسير الفسيولوجي لهذه الحالة هو أنه عندما يسخن الجسم يزداد الشعور بالتنبه. وبشكل معاكس عندما يبرد الجسم نميل للشعور بالنعاس. إن درجات حرارة الجسم الداخلية الأبرد ترتبط بارتفاع معدل الميلاتونين وهو الهرمون الذي يحفز النعاس. وقد اختبر فريق من الأطباء هذا الأمر عبر جعل بعض الأشخاص يلبسون بزات ضيقة ـ كتلك التي يرتديها الدراجون ـ والتي تخفض حرارة أجسامهم قليلاً ربما أقل من درجة سلسيوسية، وذلك بهدف معرفة إذا كانت تجعل النوم أفضل، وهذا ما حدث فعلاً.
ومع ذلك، فإن قدرة الجسم على تنظيم حرارته تصبح أكثر تعقيداً في الليل، لنقل أنك تنام ثماني ساعات كل ليلة، ففي الساعات الأربع الأولى إضافة إلى فترة ساعة تقريباً قبل استغراقك في النوم، تنخفض درجة حرارة الجسم قليلاً، أما الساعات الأربع الثانية فتتميز بفترات النوم مع حركة العين السريعة REM، وهي ظاهرة تتم فيها معظم أحلامنا، مع مجموعة كبيرة من التغيرات البدنية.
إن أحد هذه التغيرات البدنية هو عدم القدرة على تنظيم الحرارة، فحسب رأي هوغلاند يصبح الإنسان أقرب إلى شكل تنظيم الحرارة عند الزواحف لأنها غير قادرة على تنظيم درجة حرارة أجسامها بالطريقة التي تفعلها الثدييات. فبدلاً من التعرق والارتعاش تضطر الزواحف لتعديل حرارتها عبر وسائل خارجية كالانتقال إلى مواقع تحت الشمس أو ظلال أبرد، وخلال تلك الفترات القصيرة من النوم مع حركة العين السريعة نتحول جميعنا إلى نوع من الزواحف.
وحتى في المناخ الحار الدائم، تنخفض درجة الحرارة في الليل ويصدف أن يصبح الليل أشد برودة عندما ترتبك أجسامنا ولا نتمكن من التكيف (يكون الليل أشد برودة مباشرة بعد الفجر، وهذا عكس المثل تماماً). لذلك، وكالزواحف، علينا أن نجد طريقة لتنظيم حرارة أجسامنا خارجياً. قد تظن أنه لا حاجة لاستخدام الغطاء في الساعة العاشرة ليلاً عندما لا يزال الطقس حاراً، ولكن بحلول الساعة الرابعة فجراً عندما يبرد الجو قد تحتاج إلى الغطاء.
وأكثر من ذلك، فإن أمراً غريبا يحدث خلال فترة النوم مع حركة العين السريعة، وهو أن أجسامنا تخفض وبشكل عنيف مستوى السيروتونين، وهو الناقل العصبي الذي أكثر ما يرتبط بالإحساس بالهدوء والسعادة والراحة. هل تعلم أن الأغطية ترتبط بالمستويات المرتفعة للسيروتونين؟ لقد أظهرت العديد من الدراسات أن النوم تحت غطاء ثقيل يمكن أن يحفز زيادة في إفراز الدماغ للسيروتونين، لذلك ومرة أخرى ربما يلبي الغطاء حاجة يخلقها دماغنا المشوش في حركة العين السريعة.
أما العنصر الآخر الذي قد يفسر حاجتنا للأغطية فهو ما تشير إليه هوغلاند بعبارة "التكيف التام". وهي العادة منذ الطفولة على التدثر ببطانية عند النوم، والأطفال أسوأ قليلاً من الكبار في موضوع التنظيم الحراري مما يعني أنهم يشعرون بالبرد بسهولة، ومما يعني أن الكبار المهتمون يقومون بتغطيتهم وهكذا فإن وجود غطاء يرتبط بعملية الاستغراق في النوم.
إذا بحثت عبر موقع غوغل عن هذه المسألة، سينتهي بك الأمر إلى كمية هائلة من النظريات حول الملاءات التي تحاكي الشعور بالدفء والانطواء داخل الرحم. قد يكون هذا الأمر متعلق بعامل الحماية أو الأمان النظري الذي يضيفه الغطاء، والذي ربما يكون شكلاً آخر من التكيف، إلا أن هوغلاند تعتقد أن المقارنة مع الرحم بعيدة الاحتمال، فهي تشك بأي شخص يلمح إلى فكرة أن ذلك يعود إلى إحساسنا عندما كنا داخل الرحم وتعتقد أن هذا مستبعد جداً.
والسبب المحتمل الآخر هو أن الغطاء ناعم ويشعرنا بالراحة، إلا أنه لا توجد دراسات تختبر مسألة ما إذا كان الناس يحبون الغطاء لأنه ناعم ويشعر بالراحة، لذلك قد يبقى هذا سؤال لم نتوصل إلى جوابه بعد.