الأزواج الناجحون مقابل الأزواج الفاشلون ، أسباب وحلول
يقول العلم أن العلاقات التي تدوم هي تلك العلاقات التي تصل إلى أعلى درجات الرقة و اللطف و الكرم .
يعتبر الصيف والربيع منأفضل اوقات العام لإقامة إحتفالات الزواج ، حيث تغمر الفرحة العروسين والأهل والأصدقاء عندما يتم عقد الزواج ويتطلع العروسان الى علاقة زوجية ناجحة تدوم مدى الحياة مليئة بالصداقة و المرح و الحب و تحملهم بسعادة نحو الشيخوخة في أيامهم الأخيرة في هذه الحياة .
و لكن ذلك لا ينجح مع الكثيرين حيث تنتهي هذه الأحلام والأمنيات بالطلاق و الانفصال أو تتحول إلى المرارة و العيش بأسى .
و يبين الأخصائي ( تاي تاشيرو ) في كتابه " علم السعادة الأبدية " الصادر عام 2014 أن ثلاثة من كل عشر زيجات تبقى سعيدة و سليمة .
وقد بدأ علماء الاجتماع بإجراء الكثير من الدراسات لتحديد اسباب النجاح واسباب الفشل في الحياة الزوجية ، وقد تمت دراسة الزواج من خلال مراقبته بشكل مباشر في السبعينيات من القرن الماضي ، وذلك كاستجابة للأزمة التي حدثت عندما ارتفعت معدلات الطلاق بين المتزوجين إلى مستويات غير مسبوقة في ذلك الوقت .
و نظراً للقلق حول تأثير هذا الطلاق على الأطفال من الزواج المنتهي، قرر العلماء طرح شباكهم على الأزواج و جلبهم إلى المختبر لمراقبتهم و تحديد ماهية مكونات العلاقة السليمة و الدائمة ، و هل كل عائلة غير سعيدة بمنظورها الخاص كما يقول تولستوي أم أن الزيجات البائسة تتشارك بشيء يسممها بشكل عام؟
كان جون غوتمان الأخصائي النفسي و زوجته جولي هي أخصائية نفسية أيضاً من الباحثين الذين قاموا خلال العقود الأربعة الماضية بدراسة آلاف الأزواج ، ضمن بحث لتحديد أسباب نجاح العلاقات او فشلها.
هذان الخبيران الشهيران حول موضوع استقرار الزواج يديران معهد غوتمان الذي كرس لمساعدة الأزواج في إقامة علاقة سليمة ودودة و مبينة على أسس علمية .
بدأ غوتمان بجمع نتائجه الدقيقة في عام 1986 عندما أسس ما سماه ( مختبر الحب ) مع زميله روبرت ليفنسون في جامعة واشنطن حيث جلب غوتمان و ليفنسون الأزواج المتزوجين حديثاً إلى المختبر و راقبا تعاملهما مع بعضهما البعض .
قام الاثنان مع فريق من الباحثين بتثبيت أقطاب كهربائية على المتزوجين ، و طلبوا منهم الحديث عن علاقتهم , كيف التقيا , ما هي المشكلة الكبيرة التي واجهاها معاً , و بعض الذكريات الايجابية و حين كان الأزواج يتحدثون كانت الأقطاب تقيس مدى تدفق الدم عند الخاضعين للتجربة و كذلك نبضات القلب و مدى تعرقهم ثم أرسل الباحثون الأزواج إلى منازلهم ، واستمروا في التواصل معهم من حين لآخر خلال الست سنوات التالية ليعرفوا إذا كان هؤلاء الأزواج مازالوا معاً ام لا.
من البيانات التي تم جمعها خلال وجود الزواج في المختبر ، قام غوتمان بفرز الأزواج إلى مجموعتين رئيسيتين الأزواج الناجحون والأزواج الفاشلون ، وقاموا بمتابعتهم على مدى ست سنوات ، وقد تبين ان الأزواج الذين تم فرزهم كناجحين مازالوا يعيشون معاً بسعادة، أما الذين تم فرزهم كفاشلين فإما افترقوا أو استمروا في الحياة الزوجية بتعاسة وحزن.
وعندما حلل الباحثون البيانات التي جمعوها من الأزواج وجدوا اختلافات واضحة بين النوعين وهي:
كان الأزواج الفاشلين يبدون هادئين خلال المقابلة ، إلا أن وظائفهم الفيزيولوجية التي تم قياسها بالأقطاب قدمت قصة مختلفة ، فقد كانت نبضات قلبهم سريعة و غددهم العرقية نشطة و تدفق دمهم سريع و بمتابعة آلاف الأزواج وجد غوتمان أنه كلما كان الزوجان نشيطين في المختبر كلما كانت تدهورت علاقتهما بسرعة خارجه.
ولكن ما هي علاقة الفيزيولوجيا بكل هذا ؟ كانت المشكلة أن الفاشلين أظهروا كل مؤشرات الإثارة والتوثب الدائم كأنهم في حالة شجار دائم في علاقاتهم الزوجية ، فمثلاً كانت انفعالاتهم الفيزيولوجية عند قيامهم بإجراء محادثة عادية و هم يجلسون قرب زوجاتهم تشبه انفعالاتهم عند مواجهة نمر هائج حتى عندما كان الحديث يدور حول أمور سارة و دنيوية في علاقاتهم فقد كانوا متأهبين للهجوم و صد الهجوم عليهم مما جعل معدل نبضات قلبهم يزداد و مما جعلهم أكثر عدائية نحو بعضهم البعض، فعلى سبيل المثال كان كل فرد من الزوجين بإمكانه الحديث كيف أمضى يومه و لكن هذا الزوج الثائر قد يقول لزوجته " لماذا لا تبدأي الحديث أنت عن يومك , وأتمنى ان لا يستغرق الأمروقتاً طويلاً !!"
أما الناجحون فقد كانوا على النقيض هادئين و مرتبطين ببعضهم البعض مما ترجم ذلك إلى تصرف دافئ و عاطفي حتى خلال الشجار بينهما , لا يعود السبب إلى أن الناجحين بالفطرة يملكون بنية فيزيولوجية أفضل من الفاشلين بل يعود الأمر إلى أن الناجحين خلقوا جواً من الثقة و الألفة جعلهم أكثر عاطفية ، و بذلك أصبحوا يشعرون براحة أكثر من الناحية الجسدية .
لقد أراد غوتمان أن يعرف المزيد عن كيفية خلق الناجحين لهذه البيئة من المحبة و الألفة و كيف أخمدها او بالأحر قضى عليها الفاشلون في علاقاتهم الزوجية ، و في دراسة متابعة عام 1990 صمم غوتمان مختبراً في حرم جامعة واشنطن ليبدو و كأنه سرير جميل و مكان منعزل لتناول وجبة الفطور .
دعا غوتمان ( 130 ) زوجاً حديثي الزواج لقضاء يوم في هذا المكان و راقبهم يتصرفون كما يتصرف أي زوجين في العادة عند قضاء عطلة : الطهي , التنظيف , الاستماع إلى الموسيقى , تناول الطعام و الدردشة و التسكع .... و توصل غوتمان إلى اكتشاف مهم في هذه الدراسة اكتشاف يصل إلى أعماق السبب الذي يجعل بعض العلاقات ناجحة و مزدهرة و الأخرى ضعيفة و ذابلة .
كان الشريكان على مدى اليوم يقومان بطلبات للتواصل و التي أطلق عليها غوتمان اسم (دعوة) لنفترض مثلاًَ أن الزوج كان من محبي الطيور و لاحظ عصفراً جميلاً يطير قرب الشباك عندها قد يقول لزوجته " انظري إلى ذلك الطير الجميل في الخارج " إنه لا يتحدث عن الطير فقط بل يطلب استجابة من زوجته تدل على اهتمام أو تأييد على أمل أن يتواصلا حول الطير و لو كان ذلك للحظة .
و الآن أمام الزوجة خيار يمكنها أن تتجاوب إما " بالقبول " أو " بالصد و الرفض " لزوجها كما يصفه غوتمان، و رغم أن الدعوة لمشاهدة العصفور قد تبدو صغيرة و تافهة إلا أنها يمكن أن تكشف الكثير عن صحة العلاقة، ففي هذا المثال اعتقد الزوج أن العصفور مهم لدرجة جعله موضوع الحديث و السؤال هنا عما إذا كانت الزوجة تلاحظ ذلك و تحترمه .
لقد تجاوب الأشخاص الذين اتجهوا لقبول شريكهم في الدراسة بأنهم تفاعلواا مع الدعوة واظهروا اهتماماً و دعماً ، أما الذين لم يفعلوا ذلك فلم يتجاوبوا أو تجاوبوا بحد أدنى واستمروا بفعل ما كانوا يفعلونه كمشاهدة التلفاز أو قراءة الصحيفة ، او ربما و قد يتجاوبا بعض الأحيان لكن بعدائية واضحة كقولهم مثلاً " توقف عن مقاطعتي أنا أقرأ " .
إن لتفاعلات الدعوة هذه تأثيرات عميقة على سلامة الحياة الزوجية فالأزواج الذين افترقوا بالإنفصال او بالطلاق بعد متابعة الأعوام الستة كان لديهم دعوات قبول بنسبة 33% و ثلاثة فقط من أصل عشرة من دعواتهم للتواصل العاطفي تم قبولها بمودة، أما الأزواج الذين مازالوا معاً بعد ستة أعوام فقد كانت 87% من دعواتهم مقبولة و تسعة من أصل عشرة مرات لبوا حاجات شريكهم العاطفية .
وتمكن غوتمان من ملاحظة هذه الأشكال من التفاعلات أن يتنبأ بنسبة تأكيد تصل إلى 94 % في ما إذا كان الزوجان سينفصلان أو يستمران معاً دون سعادة ، أو معاً و سعداء بعد عدة سنوات وذلك سواء كانا طبيعيين أو شاذين , أغنياء أو فقراء , لديهم أطفال أم لا و معظم تلك التفاعلات تعود للروح التي يمنحها الزوجان لعلاقتهما , اللطف و الكرم , أم الازدراء و النقد و العدائية .
أوضح غوتمان خلال المقابلة أن " هناك عادة في ذهن الناجحين و هي أنهم يقومون بمسح المحيط الاجتماعي للأمور التي يقدرونها و يشكرون الناس عليها و هم يؤسسون هذه الثقافة من الاحترام و التقدير عن عمد، أما الفاشلون فهم يمسحون المحيط الاجتماعي لأخطاء شركائهم " هنا تدخلت جولي زوجة غوتمن بقولها : " لا يقتصر الأمر على مسح المحيط بل هو مسح للشريك لما يفعله بشكل صحيح أو لما يفعله خطأ و النقد مقابل الاحترام و التعبير عن التقدير " .
لقد وجد غوتمان أن ضعف الاحترام ( الازدراء ) هو السبب الأول الذي يفرق بين الأزواج فالذين يزدرون الشريك ويواظبون على انتقاده يخسرون 50 % من الأمور الايجابية التي يفعلها الشريك و يرون السلبيات حتى عندما لا تكون موجودة .
إن الأزواج الذين يديرون ظهرهم للشريك متعمدين التجاهل أو التجاوب بالحد الأدنى إنما يدمرون العلاقة عندما يجعلون الشريك يشعر بعدم أهميته و كأنه غير مرئي و لا قيمة له والذين يعاملون الشريك بازدراء و ينتقدونه لا يقتلون الحب في علاقتهم فحسب بل يقتلون قدرة الشريك على مقاومة فيروسات الكراهية و سرطان الحقد الذي يدق ناقوس موت العلاقات الزوجية .
أما الرقة من ناحية أخرى فتربط الزوجين معاً فقد أظهرت بحوث أخرى غير بحث غوتمان أن الرقة ( مع استقرار عاطفي ) أهم دلالة على الرضا و الاستقرار في الزواج ، حيث تجعل الرقة كلا الزوجين يشعران بالاهتمام و التفهم و الدعم و الحب .
تقول جولييت في مسرحية شكسبير الشهيرة روميو وجولييت " كرمي لا حد له كالبحر , وحبي عميق كذلك كلما أعطيتك كلما زاد ما معي لأن كليهما لا حدود له "
هكذا تعمل الرقة أيضاً هنالك الكثير من الشواهد التي تبين أنه كلما تلقى المرء معاملة رقيقة كلما كانت معاملته رقيقة للآخرين مما يؤدي بنا إلى أعلى درجات الحب و الكرم في العلاقات .
هناك طريقتين للتفكير حول الرقة و اللطف حيث يمكنك أن تفكر بهما كطريق ثابت أي إما أن تسير به أو لا أو يمكنك أن تعتبرهما كعضلة تكون لدى بعض الأشخاص أقوى منها لدى غيرهم و لكن هذه العضلة يمكن تنميتها عند جميع الناس بالتمرين المستمر.
يتجه الناجحون على التفكير بالرقة و اللطف كعضلة عليهم تمرينها لتبقى سليمة و بعبارة أخرى فهم يعرفون أن العلاقة الجيدة تتطلب عملاً جاداً .
توضح جولي غوتمان " إذا عبر الشريك عن حاجة ما و كنت مرهقاً أو غير منتبه عندها تتدخل روح الكرم عندما يتقدم الشريك بطلب و أنت تتوجه نحوه بالقبول .
في تلك اللحظة ربما يكون الجواب السهل الابتعاد عن الشريك و التركيز على جهاز الايبود أو الكتاب الذي بيدك أو التلفاز و بعض التمتمة و متابعة حياتك ، إلا أن إهمال اللحظات الصغيرة من الواصل سيهدم العلاقة الايجابية تدريجياً ، فالتجاهل يخلق مسافة تباعد بين الأزواج خاصة تجاهل استياء احد الأطراف من الآخر
إن أصعب وقت لممارسة اللطف و الرقة هو خلال الشجار طبعاً ، و لكنه أهم وقت ليكون الشريك رقيقاً و لطيفاً , إن ترك الازدراء و العدوانية يخرجان عن السيطرة خلال الشجار يمكن أن يصيب العلاقات بضرر لا مجال لاصلاحه .
" لا تعني الرقة و اللطف أن لا نعبر عن غضبنا " كما تشرح جولي غوتمان " و لكن الرقة تخبرنا كيف نختار التعبير عن الغضب يمكنك أن ترمي رماحك نحو الشريك أو يمكنك أن تفسر سبب احساسك بالألم و الغضب و هذا هو السبيل الألطف " .
و يتوسع جون غوتمان بالشرح عن هذه الرماح بقوله : " قد يقول الفاشلون أموراً مختلفة في الشجار مثل " لقد تأخرت ماذا بك ؟ أنت مثل أمك " أما الناجحون فيقولون " أشعر بالأسف لمضايقتك حول تأخرك و أعلم أن الأمر ليس خطأك و لكن يضايقني أنك تأخرت مرة ثانية " .
إن الدرس من هذا البحث واضح إلى مئات الآلاف من الأزواج الحديثين و إلى ملايين الأزواج الذين مازالوا معاً سواء متزوجين كانوا أم لا :
إذا أردت أن تحصل على علاقة مستقرة و سليمة مارس الرقة و اللطف دائماً و أبداً