أعاصير البجعة الرمادية المدمرة قد تضرب أماكن غير متوقعة في السنوات القادمة
قامت نانغ لي وهي عالمة مناخ وزملاؤها في جامعة برينستون بدراسة مستفيضة لتأثير التغير المناخي على إحتمال ازدياد خطر حدوث الأمواج العاصفة في السنوات القادمة،وذلك لتنبيه المخططون وصانعو القرار أكثر بما يخص المناخات المتطرفة التي تتعدى السجلات التاريخية والتجارب.
وجاء في نتائج هذه الدراسة التي نشرت بالتفصيل على موقع "تغيرات مناخ الطبيعة" في شهر أغسطس / آب 2015،أن أعاصير "البجعة الرمادية" وهي عواصف ذات ضربات أشد مما يمكن للتاريخ وحده أن يتنبأ بها،وقد تخرب مدناً في فلوريدا واستراليا والخليج العربي.
وتؤكد الدراسة أنه يمكن لتغيرات المناخ، حتى نهاية القرن، أن تزيد من احتمال وقوع أضرار جسيمة بسبب تلك العواصف غير المتوقعة.
لقد كان من النادر أن يطلق اسم "البجعة السوداء" على الأحداث غير المتوقعة وذات الآثار الكبيرة، وعلى العكس من ذلك، كانت نانغ لين وزملاؤها يطلقون تسمية "البجعة الرمادية" على الحوادث التي تخلف آثاراً تتعدى ما يمكن التفكير به على أساس السجلات التاريخية وحدها، ويقولون أنه يمكن التنبؤ بهذه "العواصف المطلقة" بالرجوع إلى البيانات التاريخية بالإضافة إلى أنماط المناخ.
أما بالنسبة لأعاصير مايسمى "البجعات السوداء" فإنه لايمكن تفاديها لأنه لا يمكن توقعها أو التنبؤ بها، أما "البجعة الرمادية" فإنه يمكن توقعها من حيث المبدأ على الأقل، ومن ثم الاستعداد لها.
وبهدف التعرف أكثر على أخطار "البجعة الرمادية" قام الباحثون بتشكيل نموذج للأخطار الناجمة عن اندفاع المياه الذي يمكن للعواصف أن تثيره، وذلك لأن الأمواج العاصفة هي من أكثر المظاهر المدمرة والمميتة لهذه العواصف ، فعلى سبيل المثال، كانت الأمواج العاصفة الناجمة عن إعصار كاترينا منذ عقد مضى، والتي وصل ارتفاعها إلى 27.8 قدم (8.47 م) مسؤولة جزئياً عن مقتل أكثر من (1800) شخصاً، وبلغت قيمة الأضرار حوالي (150) مليار دولار، مما جعل تلك العاصفة الكارثة الأعلى كلفة في تاريخ الولايات المتحدة.
وقد ركز العلماء على مدينة تامبا في فلوريدا، ومدينة كارينس في استراليا، وعلى الخليج العربي، وقد اختاروا تلك المناطق الثلاث لأن العلماء الذين قاموا بإجراء الدراسات السابقة ربما لم يلاحظوا مدى هشاشة هذه المناطق تجاه العواصف الشديدة لأنها لم يسبق لها أن تعرضت لأعاصير مدارية شديدة خلال تاريخها، أو لم تواجه واحداً منها منذ فترة طويلة.
وعلى الرغم من عدم وجود تاريخ معروف من ناحية الأعاصير المدارية في الخليج العربي، إلا أن الباحثين وجدوا أنه يواجه خطراً كبيراً محتملاً من العواصف الشديدة، وقام العلماء بمحاكاة (3100) موجة عاصفة لإعصار مداري بإستخدام نماذج محوسبة وبيانات مناخية من عام 1980 وحتى عام 2010 ، وكانت النتيجة أن مدينة دبي قد تكون معرضة لأمواج عاصفة يصل ارتفاعها إلى حوالي 13 قدماً (4 أمتار) مرة كل 10000 عام تقريباً.
تقول لين: " إن هذه النتائج تبين لنا أنه يمكن التوصل إلى أشياء أبعد بكثير مما تبينه السجلات التاريخية المحدودة جدا"ً.
وللتوضيح شرح الباحثون أن مياه الخليج العربي هي مياه حارة سطحية ومالحة جدا،ً وهذا بحد ذاته يمكن أن يساعد على تشكيل أعاصير مدارية شديدة وعواصف من الأمواج، وعلى سبيل المثال، كاد إعصار جونو في عام 2007 أن يدخل إلى الخليج العربي ولكنه توقف عند مدخل الخليج على قمة أقصى نقطة في شرق سلطنة عُمان وضرب تلك المنطقة وأحدث في حينها أضرارا تقدر بقيمة 4.4 مليار دولار ، ومن المعرف أن إعصار جونو وهو أقوى إعصار مداري معروف يضرب بحر العرب، لذلك فقد اهتمت الدراسة باستخدام غالبية نماذج المحاكاة من الأعاصير التي نشأت منطقة الخليج العربي وليس في بحر العرب، والتي تسببت حسب تلك المحاكاة المحوسبة في حدوث أشد الموجات العاصفة.
ووجدالباحثون أيضاً أن مدينة تامبا في فلوريدا واجهت تهديداً الإعصار أكثر مما كان متوقعاً، وذلك عند محاكاة (7800) موجة عاصفة بناء على معطيات المناخ من عام 1980 إلى عام 2005،وهذا يؤشر الى أن عواصف" البجعةالرمادية" والتي قد تضرب خليج تامبا مستقبلاً ، قد تؤدي إلى حدوث أمواج عاصفة يصل ارتفاعها إلى حوالي 20 قدماً أي ستة أمتار،ويشار إلى أن مدينة تامبا معرضة كثيراً للأمواج العاصفة، وبم أن خليج تامبا محاط بمياه سطحية وأراض منخفضة،ولذلك فإن ارتفاع المياه على (20 قدماً) قد يغمر الكثير من محيط هذا الخليج .
ومن خلال هذه المحاكاة المحوسبة تبين أيضاً أن مدينة كيرنس تواجه تهديداً بالأعاصير المدارية أكثر مما كان متوقعاً، فقد قام الباحثون بتقليد (2400) موجة عاصفة من إعصار مداري بالاستناد إلى معطيات المناخ من عام 1980 إلى عام 2010، فكانت النتيجة أن حوادث "البجعة الرمادية" التي ستضرب مدينة كيرنس قد ينجم عنها أمواجاً عاصفة يصل ارتفاعهاإلى حوالي 19 قدماً (5.7م).
ويرى الباحثون أن خطر هذه الأمواج العاتية يحتمل أن يتزايد في السنوات القادمة، إذ من المتوقع أن تزيد تغيرات المناخ من عدد وشدة العواصف وعلى سبيل المثال وجد العلماء أن احتمال حدوث موجة عاصفة بارتفاع 20 قدماً تضرب مدينة تامبا سنوياً هو( 1 / 10000 ) حتى نهاية القرن وأن احتمال حدوث مثل هذه الموجة في أي سنة قد يكون أعلى بحوالي ( 4 إلى 14 ) مرة مما هو عليه اليوم.