وأخيراً كشف سرّ ضرر الدهون على الجسم
يتزايد وعي الناس بالعلاقة بين الصحة والغذاء. ونتيجة لذلك يتزايد اتجاههم إلى اعتياد سلوكات غذائية معينة أو تبني نظام غذائي معين من بين الأنظمة الغذائية الكثيرة التي تزخر بها وسائل الإعلام. ويرافق كل ذلك طرح كثير من الأدلة العلمية التي تدعم كل سلوك أو نظام غذائي، والتي يبدو من الصعب معرفة أيها صحي وأيها غير صحي. لكن يبدو أن معظم الآراء تتفق على رسالة واحدة: الدهون المشبعة (الدهن الحيواني، يضاف اليها السمن النباتي) مضرة بالصحة. علماء من جامعة كاليفورنيا، وضحوا في دراسة بالغة الأهمية، ذات انعكاسات كبيرة على مستويات علمية وطبية عدة، كيف تكون هذه الدهون مضرة.
في الوقت الذي عرف فيه الأطباء وخبراء التغذية منذ فترة طويلة أن الدهون المشبعة تسهم في بعض الأسباب الرئيسة للوفاة، فانهم لم يكونوا قادرين على تحديد كيف، ولماذا، تكون الدهون المشبعة الزائدة سامة للخلايا، وتسبّب بالتالي مجموعة كبيرة من الأمراض ذات الصلة بالدهون. في حين أن الدهون غير المشبعة، مثل تلك التي في الأسماك وزيت الزيتون يمكن أن تكون مفيدة للصحة، وتقي من الأمراض. للإجابة عن هذه الأسئلة، طوّر علماء كاليفورنيا تقنية مجهرية جديدة تسمح بالتتبّع المباشر للحموض الدهنية بعد امتصاصها من قبل الخلايا الحية. تتضمّن التقنية استبدال ذرات الهيدروجين في الحموض الدهنية بنظير الهيدروجين، الديتيريوم، دون أن يكون هناك أي تأثير على الخصائص الفسيوكيميائية والسلوك لهذه الدهون. نتيجة لهذا التعديل، يصبح بالإمكان ملاحظة جميع المكونات الخلوية التي تدخل فيها هذه الحموض، وذلك عن طريق التصوير المجهري بتقنية متطورة تسمّى التصوير المجهري بتقنية SRS. ما وجده العلماء باستخدام هذه التقنية سيكون له تأثير كبير على فهم وعلاج مشكلات البدانة والسكري وأمراض القلب.
ويقول العلماء في تقرير نشرته مجلة National Academy of Sciences انهم وجدوا ان العملية الخلوية التي تؤدي إلى بناء غشاء الخلية من الحموض الدهنية المشبعة، تؤدي إلى تكوّن بقع في الغشاء المتصلب نتيجة (تجمّد) الجزيئات. في الظروف الصحية الطبيعية، يكون غشاء الخلية المكوّن من طبقتين من جزيئات الدهن تتوزع فيها جزيئات البروتين، مرناً. وتتصف هذه الجزيئات بقدرتها على التحرك، أي بالسيولة. لذا يوصف غشاء الخلية بأنه فسيفسائي سائل. وقد فسّر العلماء أن الصلابة والاستقامة والسلاسل الطويلة للحموض الدهنية تسببت بتجمد جزيئات الدهن وانفصالها بالتالي عن بقية مكوّنات الغشاء. تحت المجهر، لاحظ الباحثون أن جزيئات الدهن تراكمت على صورة جزر متراصة أو عناقيد، لا تتحرك كثيراً، في حالة يمكن تسميتها: شبيهة بالصلابة. ومع المزيد من الحموض الدهنية المشبعة التي تدخل الخلية، تنمو هذه الجزر أكبر في الحجم، مقللة من مرونة الغشاء، وتدريجياً تسبب الضرر للخلية ككل.
ويقول العلماء، اعتقدنا لفترة طويلة أن غشاء الخلية يشبه السائل، بما يسمح لجزيئات البروتين فيه بتغيير شكلها، والقيام بالتفاعلات الحيوية. لكن يبدو أن الأمر ليس كذلك دائماً. الغشاء شبه الصلب كانت تصعب ملاحظته سابقاً في خلايا الثدييات. وما شاهدناه كان مختلفاً تماماً، ومثير للدهشة البالغة. جزيئات الليبيدات المصنوعة من حموض دهنية غير مشبعة تتصف بوجود التواءات في سلاسلها، بما يجعل من المستحيل على جزيئات الليبيدات هذه أن تصطف متلاصقة مع بعضها كما تفعل الحموض الدهنية المشبعة. انها تبقى مستمرة في الحركة بحرية بدلاً من تكوين عناقيد ثابتة. وفي هذه الحركة، يمكن للجزيئات أن تتصادم وتنزلق بين سلاسل الحموض الدهنية المشبعة المتجمعة معا بإحكام. وقد وجدنا أن إضافة حموض دهنية غير مشبعة، يمكن أن يصهر جزر الغشاء المتجمدة بفعل الحموض الدهنية المشبعة. هذه الآلية الجديدة يمكن أن تفسّر جزئياً الأثر المفيد للحموض الدهنية غير المشبعة، وكيف أن الدهون غير المشبعة، مثل تلك التي في زيت السمك، يمكن أن تحمي من بعض أضرار الدهون.
الدراسة تمثل المرة الأولى التي أمكن فيها للعلماء تصوير توزيع ودينامية الحموض الدهنية بهذا التفصيل في داخل الخلايا الحية. وتكشف عن حالة فيزيائية سامة، لم تكن معروفة سابقاً، لتراكم الحموض الدهنية داخل أغشية الخلايا.
ويقول العلماء ان سلوك الأحماض الدهنية المشبعة بمجرد دخولها الى الخلايا يسهم في الاصابة بالأمراض الكبرى، والقاتلة في كثير من الأحيان. وان تصوّر كيف أن الحموض الدهنية ترتبط بأمراض أيض الليبيدات يعطينا معلومات مادية مباشرة نحتاجها للبدء في البحث عن طرائق فاعلة للمعالجة. ربما على سبيل المثال يمكن أن نجد وسيلة لمنع تراكم الليبيدات السامة. وهذا الإكتشاف له القدرة على التأثير فعلاً على الصحة العامة، بخاصة على الأمراض المرتبطة بالليبيدات.