تنظيم عمل الجينات
جاءت الأيام الأخيرة من عام (2013) بإكتشاف علمي بالغ الأهمية والإثارة، شكلّ مفاجأة كبيرة للعلماء، لكنه بعث الأمل بإمكانية التوصّل إلى فهم أسرار كثير من الأمراض. فقد إكتشف العلماء أن مادة الوراثة البشرية (تتحدّث بلغتين في الوقت نفسه)، وليس بلغة واحدة عرفوها منذ ستينات القرن الماضي، ويعرف طلبة المدارس تفاصيلها.
حقق الإكتشاف د. جون ستاماتويانوبولس الأستاذ المساعد في كلية طب وعلوم الجينات في جامعة واشنطن، وأرسل تقريراً عنه للنشر في المجلة العلمية الشهيرة Science بتاريخ (19) تموز (2013)، وتم قبوله للنشر بتاريخ (23) تشرين أول، لينشر التقرير أخيراً بتاريخ (13) كانون أول (2013).
كان التوصّل إلى معرفة تركيب مادة الوراثة DNA في الخمسينات من القرن الماضي انجازاً علمياً هائلاً. وتلا ذلك إنجاز كبير في الستينات يتمثل في معرفة كيفية قيام هذه المادة، أو ما يسمّى "الشيفرة الوراثية" بصنع البروتينات. ومن المعروف أن البروتينات هي أهم المركبات العضوية في جسم الإنسان، لدورها الرئيس في بناء أجهزة الجسم وقيامها بوظائفها. وفي بداية القرن الحالي جاء إنجاز عالمي كبير أيضاً هو رسم خريطة جينات الانسان. وبالرغم من توقع الجميع أن الطريق لفهم أسرار الحياة أصبح ممهداً، إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت إكتشافات متتالية عن مادة الوراثة أخذت تغيّر من هذه القناعة. لكن الإكتشاف الذي شكلّ صدمة حقيقية للعلماء، كان ما تحقق أخيراً.
يقول الإكتشاف، وبتعبير بسيط، أنه توجد شيفرة وراثية ثانية مختبئة في مادة الوراثة، تلعب دوراً مهماً جداً في حياة الإنسان. فإذا كانت وحدات الشيفرة الأولى المسماة "كودونات"، مسؤولة عن صنع البروتينات، فإن بعض هذه الكودونات، والتي أطلق عليها العلماء الإسم "ديونات"، تقوم بوظيفة ثانية إضافة إلى الأولى، وتتمثل بتنظيم عمل الجينات. وهكذا، فإن كثيراً من الأمراض التي لا يزال العلماء والأطباء يقفون عاجزين أمامها، ترتبط بصورة أو بأخرى بإختلالات في عمل هذه الوحدات.
ويقول العلماء أنه سيكون للإكتشاف الجديد تطبيقات بالغة الأهمية في عالم الطب، إذ سيوفر للأطباء طرائق جديدة فاعلة في تشخيص كثير من الأمراض ومعالجتها. ويقولون إن هذا الإكتشاف يؤكد أن الطريق لا يزال طويلاً أمام العلماء لفهم أسرار مادة الوراثة.