كيف تمضي يوماً بدون شاشات
التكنولوجيا قوة إنتاجية كبيرة، وتساهم بشكل عام في رفع مستوى الحياة. ولكن ككل قوة، فهي سلاح ذو حدين.
إنها كالنار، يمكنك استخدامها لطهي الطعام، أو قد تحرق نفسك بها. أما كيف تؤذي نفسك بالتكنولوجيا فهذا سهل جداً، فذلك حين تتوقف عن الاستفادة منها لصالحك وتبدأ بإساءة استخدامها بدلاً من ذلك.
هناك طريقتان شائعتان في كيفية إساءة استخدام التكنولوجيا، الأولى من حيث النوع، والثانية من حيث الكم.
1- من حيث النوع:
يجب أن تتذكر دائماً أن العقل الموجود داخل رأسك هو ا أقدر من كل الحواسيب في العالم وأكثرهم تطوراً لأنه نتاج التطور عبر ملايين السنين وهو جاهز لخدمتك متى تشاء وكيفما تشاء .
يلي ذلك هاتفك المحمول الذي يحتوي على معظم المعارف التي أبدعتها البشرية ويقدمها لك أينما ذهبت. إنها فكرة خلاقة وثورة في عالم التكنولوجيا، وغالباً لا نكون مدركين لهذه الحقيقة.
ولو حاولت أن تشرح لأحدهم قبل مائتي عام أن بإمكانه حمل جميع معارف البشرية داخل أداة صغيرة في جيبه لأعتقد بالتأكيد انك أبله.
وهنا يبرز السؤال الهام: لماذا تستخدم عقلك والانترنت لتصفح صور مضحكة وسخيفة للقطط والقرود أو الأفاعي؟
ولكن مع الأسف هذا ما يفعله 90% من الناس، وبذلك يكونون على الجانب الخطأ من السلاح ذي الحدين. عليك أن تتأكد أنك تستخدم التكنولوجيا للأغراض الصحيحة وفي الحدود الصحية والصحيحة أيضاً وذلك على النحو التالي :
2- من حيث الكم:
من المتعارف عليه أن (الكثير من أي شيء، حتى الجيد، يصبح ضاراً).
وإساءة الاستعمال من حيث الكم هي:
1- الإقلاع عن إدمان التكنولوجيا:
تبين نتائج معظم الدراسات أن الشخص العادي يقوم بتصفح هاتفه الذكي مئات المرات يومياً، وأن القيام بذلك باستمرار يومياً وأسبوعيا أو كل شهر بل حتى كل سنة لابد بالطبع أن يترك نتائج سلبية.
هناك الكثير من النتائج السلبية المترتبة جراء سوء استخدام التكنولوجيا:
- عدم القدرة على التركيز.
- تقليص القدرة على العيش في اللحظة الحاضرة.
- القضاء على موهبة الإبداع.
- فقدان التواصل مع النفس.
- الهروب من مشاكل الحياة الحقيقية.
- الإضرار بالحالة النفسية.
- الإضرار بحاسة البصر.
إن الطريقة الوحيدة لضمان انك لا تسيء استخدام التكنولوجيا هي في وضع حدود صارمة ودقيقة، متى وكيف تنال فترة استراحة بعيداً عن التكنولوجيا.
وهذه بعض الاقتراحات للحد من الإدمان على التكنولوجيا ، ولكن قيامك بإغلاق جميع الأجهزة التي تعمل بالكهرباء والتي تجعلك بمعزل عن جميع التقنيات أمر لا يمكن الاعتياد عليه بسرعة لذلك ننصحك مبدئياً بالابتعاد عن الشاشات وإغلاقها كما يلي:
- إذا أردت أن يكون نومك مريحاً يجب أن تغلق الشاشات عدة ساعات قبل موعد النوم
- إذا أردت استرجاع نشاطك وقدرتك على التركيز يجب أن تغلق جميع الشاشات يوم كامل كل أسبوعين (يومان في الشهر بشكل أساسي).
- إذا أردت تنقية أفكارك واسترجاع مهاراتك في التفكير الإبداعي والتواصل مع الآخرين التركيز يجب أن تغلق جميع الشاشات في عطلة نهاية الأسبوع .
- وأخيراً يجب أن تغلق جميع الشاشات أسبوع أو أسبوعان كاملان خلال عطلة فصل الصيف.
ولكن المشكلة الأساسية أن ذلك قد يبدو أسهل بكثير مما هو عليه فعلاً.
2- لا توافق فقط، بل جرب ذلك بنفسك فعلاً:
إن فكرة قضاء يوم دون شاشات هامة جداً. ولكن أن نقرأ شيئاً حولها ونتفق معه، وأن نطبقها شيئان مختلفان تماماً.
ولا بد من القول أن كل فرد في هذا العالم أصبح مدمناً على التكنولوجيا، لدرجة أن إتباع هذه الطريقة تحتاج إلى تنظيم وتحضير قاسيين.
إذا كنت تعتقد أن قضاء يوم دون شاشات أمر سهل، فأنت مخطئ. إذ توجد الشاشات في كل مكان، وهي تشمل في معظم الأحوال:
• الحاسوب.
• التلفزيون.
• الجهاز اللوحي.
• الحاسوب المحمول (لاب توب).
• الساعة الذكية (ستكون التالية إذا لم تكن لديك الآن).
• مجموعة الواقع الافتراضي VR (إذا لم تكن لديك ستمتلكها قريباً).
• جهاز قراءة الكتب Kindle (مازال اعتباره بمثابة شاشة قيد النقاش).
• وربما جهاز أو جهازين آخرين.
حين تستيقظ صباحاً، ربما تنظر إلى ساعتك الذكية لتعرف عدد الأشخاص الذين ضغطوا لك على علامة الإعجاب على شبكة التواصل الاجتماعي. ثم تأخذ هاتفك الذكي إلى الحمام وتتصفح كل البريد الالكتروني. وهذا فقط في بداية اليوم.
ثم تقضي يوم العمل بكامله خلف شاشة الكمبيوتر أو الحاسوب المحمول. وقبل أن تذهب للنوم، تتصفح الأخبار على جهازك اللوحي، وتشاهد القليل من برامج التلفزيون لمجرد الاسترخاء ونسيان الأمور المقلقة خلال اليوم.
حتى في عطلة الأسبوع، ربما لن تعمل بهذا القدر على حاسوبك، ولكنك حتماً ستلعب لعبة أو اثنتين وتشاهد الفيديوهات المسلية أو تحاول أن تسترخي بطريقة أخرى (وذلك بالتحديق إلى شاشة ما).
قد لا تكون الصورة بهذا الشكل مئة بالمئة، فقد تستبدل الفيديوهات المسلية بالأخبار اليومية، والتلفاز بالأفلام، وتستبدل ممارسة الألعاب بمجموعة الواقع الافتراضي VR، ولكن في كافة الأحوال، لديك الآن تصور واضح حول الأمر. هناك شاشات في كل مكان في حياتك وسيزداد عددها مستقبلاً: الثلاجة ـ السيارة ـ الخزائن ـ الثياب ـ النظارات ـ النوافذ ـ المرايا وشاشات أخرى كثيرة جداً.
ستكون الشاشات موجودة في كل شيء، وكل شيء سيكون موصولاً بالانترنت ويتفاعل معك، وهذا رائع فقط إذا توفر لديك النظام والإرادة للتحكم بكل هذه التكنولوجيا ولا تدعها تتحكم بك وتملي عليك حياتك.
3- يوم بدون شاشات هو شيء سحري سيحدث لك:
بدلاً من مجرد الموافقة على مدى الضرر الذي يحدثه سوء استخدام التكنولوجيا، حاول فعلاً قضاء يوم دون أن تنظر ولو مرة واحدة إلى أي شاشة. ولصعوبة هذا الأمر، عليك أن تستعد بشكل مدروس لهذا النوع من التصرف المبالغ فيه.
قد تشعر بالارتباك لحظة استيقاظك صباحاً، لا توجد ساعة، أو هاتف ذكي أو أي شيء قد يشتت الانتباه. والحل؟ عانق زوجتك، كن ممتناً لأنك على قيد الحياة، مارس بعض تمارين التمدد، انتبه لجسمك ومشاعرك.
لا شيء آخر، ربما عليك أن تدخل إلى الحمام، وستشعر بالارتباك ثانية، لا يوجد بريد الكتروني. هل ستقرأ اللصاقات على عبوات الشامبو؟ أو تفكر بمعنى الحياة؟ ربما ستفكر بما عليك إنجازه خلال هذا اليوم.
ولكن ما الذي ستفعله حقيقة خلال هذا اليوم؟ تذكر! لا تلفاز، لا كمبيوتر أو جهاز لوحي، وهذا أمر مربك فعلاً. ولأنك لست رجلاً آلياً ولا يمكن إطفائك بسهولة، يبدأ مفعول السحر عند هذه اللحظة، بشكل طبيعي ستنجذب تدريجياً نحو النشاطات البشرية الأساسية الملهمة والممتعة حقاً.
قد تخرج في نزهة إلى الطبيعة وتلعب. قد تبدأ بالحديث مع زوجتك وتتواصلان من جديد. قد تختار كتاباً وتبدأ بالمطالعة، قد تأخذ مفكرة وتبدأ بكتابة بعض الأفكار الفورية أو التخطيط للمستقبل.
سيزول الارتباك تدريجياً ويتحول إلى وضوح. ستكون أكثر استرخاء وحضوراً. وتبدأ بالتواصل مع نفسك، وأكثر انتباهاً لما يجري حولك وكيف تتفاعل مع العالم.
ستتمكن من التفكير بشكل أفضل وبإبداع أكثر وبالتواصل الأعمق مع الناس، وتبدأ بالشعور بأن طاقاتك قد أعيد شحنها، ستشعر أنك على قيد الحياة ثانية. بطاريات الأدوات الكهربائية ستصبح فارغة إلا أن طاقتك مشحونة بالكامل.
4- الاستفادة من ميزات كلا العاملين:
إن تملّك التكنولوجيا ذو فائدة كبيرة في الحياة، لأن التكنولوجيا تساعد كثيراً على تحسين مستوى الحياة وتحقيق الأهداف، بل إن أهميتها ستتصاعد في المستقبل.
أصبح الإلمام التكنولوجي هاماً بقدر أهمية تعلم القراءة والكتابة، لذلك لا داعي للخوف من التكنولوجيا وتجنبها بأي طريقة أو النظر إليها على إنها أمر سيء. هي ليست جيدة وليست سيئة، إذ يعتمد الأمر على كيفية استخدامك لها. إذا تجاهلتها فهذا سيء، وكذلك الأمر إذا أسأت استخدامها.
انتبه للنوعية والكمية وستكون أمورك على ما يرام.