كيف تشعر النباتات بالحرارة؟
ليس الإنسان والحيوانات الكائنات الحية الوحيدة التي تعاني من ارتفاع درجة الحرارة، فالنباتات تشعر بالحرارة أيضاً. ويعدّ الاجهاد الحراري مشكلة رئيسة في الزراعة، بحيث يمكن أن يقلل الى حد كبير من مقدار المحصول الزراعي، وحتى الزيادة الطفيفة في درجة الحرارة لها تأثير في نمو النبات وتطوره. وبالرغم من أن النباتات لا تستطيع التحرك الى الأماكن الظليلة للهروب من الحرارة، الا انها طوّرت استراتيجيات لحماية نفسها من الاجهاد الحراري عندما تتعرض للشمس. لكن كيف يحس النبات بالحرارة ويستجيب للاجهاد الحراري؟ لا يزال العلماء عاجزين عن الاجابة عن هذا السؤال.
ان فهم كيف يستجيب النبات للاجهاد الحراري أمر بالغ الأهمية، إذ أن هذا الفهم سيساعد في تطوير محاصيل زراعية قادرة على الصمود أمام إرتفاع درجات الحرارة وموجات الحر كثيرة التواتر في ضوء التغيّر المناخي. وهكذا، فمنذ عقود والعلماء يعملون لفهم كيف يحس النبات بالحرارة، وكيف يستخدم المعلومات عن هذا الاحساس في تنشيط مسارات الحماية الكيميائية، والتي تتضمن، من بين أمور أخرى، إنتاج ما يسمّى بروتينات الصدمة الحرارية الواقية.
لقد عرف منذ عام 1939م ان استجابة النبات للاجهاد الحراري تتقلب بين النهار والليل. فاذا تعرض النبات للاجهاد الحراري خلال منتصف النهار، فمن المحتمل أن يبقى على قيد الحياة مقارنة بتعرضه له في الليل. ان الدورة اليومية للنباتات لمقاومة الحرارة تمثل استراتيجية تحميها في أجزاء اليوم الأكثر حرارة، في حين يحتمل أيضا أنها تحول دون هدر الطاقة في انتاج بروتينات الصدمة الحرارية الواقية في الليل عندما تكون أكثر برودة.
الدراسات في هذا المجال أظهرت أيضاً أن مقاومة الحرارة عملية يتم تنشيطها في النبات عندما يتعرض للضوء. وانه يفقد خاصية المقاومة هذه في الظلام، ويعود ليستعيدها ثانية عند تعرضه للضوء. لكن لا يزال العلماء يجهلون كيف يتم إخبار النبات متى ينشط جينات معينة لتصنيع بروتينات الصدمة الحرارية. علماء من جامعة كمريدج اكتشفوا أن عددا من الجينات يعرف أنها تشارك في تكوين البلاستيدات ( أجزاء النبات التي تقوم بعملية البناء الضوئي)، لها أيضاً تأثير كبير على استجابة النبات لدرجات الحرارة المرتفعة. وهكذا، فان النبات يستجيب أفضل للاجهاد الحراري خلال النهار. بما يعني أن البلاستيدات تشارك في حماية النبات من تأثير الحرارة. كما اكتشف العلماء أن البلاستيدات ترسل اشارة استجابة للضوء، تعمل على تنشيط عملية التعبير الجيني في النواة لجعل النبات يقاوم الاجهاد الحراري. ويعتقد العلماء أن هذه الاشارة ترتبط بسلسلة نقل الالكترون في عملية البناء الضوئي، لكن طبيعتها لا تزال غير معروفة.
ويقول العلماء ان العديد من المحاصيل الزراعية التي تزرع في العالم اليوم تزرع في ظروف الحد الأعلى من درجة الحرارة. وبالتالي فانه بالنسبة لمحاصيل مثل القمح والأرز والذرة، فان ارتفاع درجة الحرارة درجة واحدة فوق مستوى الدرجات الحالية يمكن أن يؤدي الى إنخفاض في المحصول بنسبة 3% الى 7% بسبب الاجهاد الحراري. ويقولوا ان ما يقومون به في المختبر هو محاولة فهم الآليات التي تتحكم في كيفية إحساس النبات بدرجة الحرارة، والجينات التي يعتمد عليها النبات للتكيف مع درجات الحرارة المرتفعة. وان المعرفة في هذا المجال ستساعد في جعل نباتات المحاصيل الزراعية أكثر تحملاً للاجهاد الحراري.