تبادل الأحاديث اصبح موضة قديمة
هل أصبح فن الحديث من الفنون البالية ؟ وهل أصبح تبادل الحديث بين الأصدقاء موضة قديمة ؟
لم يعد تبادل الحديث بين الناس خياراً مفضلاً ، فقد تم استبدال الحديث بنوع آخر من وسائل التواصل وهو الرسالة النصية وأصبحت المساحة الافتراضية و غير الشخصية هي الأفضل للنقاش و المشاركة , إذا لم تعجبنا آراء أحدهم نغلق الخط , ولكن الحديث أو الاستماع لم يعد خياراً .
نحن نعيش في عالم موصول بالقابس حيث أصبحت المحادثة أمراً يقوم به الأطفال ، أما الكبار فلم يعد لديهم الصبر للتحدث أو حتى للاستماع إلى الآخرين ، والضحية الكبرى هو فن المحادثة.
عندما تكون في احد الأماكن العامة تلاحظ أن الجميع – من موظفين وطلبة و ربات بيوت و حتى طفلة في العاشرة من العمر ترافق والدتها يجلسون بصمت وهم يضعوا سدادة الأذن المتعلقة بعالمهم الخاص من الموسيقى والأفكار، و يتجنبون عن قصد أي اتصال بصري مع أحد إلا إذا ظهرت الحاجة لحديث صغير بل أسوأ من ذلك إذا بدت الحاجة إلى محادثة للاستفسار عن أمر ما .
و حسب رأي جوهي تشاترفيدي مسؤول الإعلان و كاتب السيناريو المعروف ، فإن المحادثة قد أصبحت من الشكليات في عالمنا الحاضر , حتى عندما يلتقي الأصدقاء و يتحدثون تبقى أعينهم ملتصقة بهواتفهم , لقد سمعت أحدهم يقول لمن يقف بجانبه " أسرع ماذا لديك لتقول...!!" يبدو الأمر كما لو أن الناس ينتظرون انتهاء الحديث حتى يتمكنوا من الاسترخاء و العودة إلى إرسال النصوص و مراجعة حالاتهم على الفيسبوك ،إننا نعيش في عالم من الاستغراق الذاتي ، نحن نحب الحديث و النقاش و لكن داخل رؤوسنا فقط وعندما يصبح الأمر واقعياً ويتطلب الحديث المباشر مع الآخر أصبحنا نفقد السيطرة ونشعربالهلع.
تبرز عدم القدرة على الاستماع و التحدث مع الناس من أجل فهم آرائهم سواء في مقابلة تلفزيونية حول النظام العالمي الجديد حيث يقاطع مذيع البرنامج ضيفه عشرات المرات ولا يترك له الفرصة لاستكمال وجهة نظره، وكذلك الأمر في برامج مثل السوبر ستار في التلفاز والتي تبدو أقرب مايكون إلى مباراة في التهجم .
يتساءل بي كي ستيفاني المعلم الروحي الهندوسي عن سبب كون موضوع المحادثة هذه الأيام فقط حول إثبات رأي أو اكتساب نقطة سواء كان ذلك في برامج التواصل الاجتماعي في التلفزيون أو في عالمنا الحقيقي .
ونتساءل هل نبحث في داخلنا عن انتصارات صغيرة ترضينا؟ وهل نفضل أن نكون على حق من أن نكون سعداء عندما ندافع بهذه القوة عن وجهة نظرنا ؟ ربما علينا أعادة التفكير في الأمر بأن الفوز في نقاش ما لا يعتبر فوزاً بل هي طريقة ( الأنا ) في محاولتها لإقناعنا أننا منتصرون لأننا تجنبنا الهزيمة .
كتبت شيري تيركل – أستاذة الدراسات الاجتماعية للعالم و التكنولوجيا في معهد M I T – في كتابها الأخير ( معاًوحدناAlone Together) ما يلي : " إن أحد أهم الأسباب التي جعلت الناس يتوقفون عن الحديث مع بعضهم البعض هو أن المحادثة تتم في الزمن الواقعي و لن تتمكن من التحكم بما تريد أن تقول , فنحن نلجأ للكتابة و هذا يعني أننا نلجأ للحذف و يعني أننا نلجأ لتنقيح الوجه و الصوت و الشكل " .
يفضل الناس إرسال الرسائل النصية بدلاً من التحدث فقد جعل البريد الالكتروني محادثاتنا هشة , فاترة , و محدودة و سواء كانت الرسالة رسمية أو شخصية فإن بإمكاننا إعادة طباعتها إلى أن نجد العبارة التي ترضي (الأنا ) لدينا , لا مكان للأخطاء بل للقليل من ردود الفعل التي تعتبر من أسس التواصل الصحي .
وتتابع شيري تيركل في كتابها مايلي: " ( إن سبب هذه الحاجة الشديدة للتحكم بما يخرج عن عقولنا و أفواهنا تجعل من الجيل القادم حذراً من التحدث وجهاً لوجه ، حيث لابد للمرء من البقاء مع الآخرين و لكن بنفس الوقت عليه أن يبقيهم على مسافة يمكنه التحكم بها، و أنا أسمي ذلك تأثير غولدي لوك ( تجاهل المعلومة البسيطة جداً أو المعقدة جداً و بدلاً من ذلك التركيز على الأوضاع الصحيحة تماماً ) ليس قريباُ جداً و لا بعيداً جداً بل الحد الصحيح و لكن ما قد يعتبر الحد الصحيح لموظف في منتصف العمر قد يعتبر مشكلة لمراهق بحاجة إلى تطوير علاقات مباشرة ).
يضيف شيف فيسفاناثان Sanjay Chauhan – عالم الاجتماع – بعداً جديداً لهذه المسألة بقوله إن الهنود لم يكونوا ماهرين في المحادثة أبداً فمن ناحية التقاليد كان المسنون هم من يتكلمون فقط و حتى في الزواج و قبل عدة سنوات فقط كان الزوج يتكلم و الزوجة تستمع فأين هي المحادثة ؟ .
في عالم اليوم لم يعد يصل الحوار بين شخصين إلى مستوى المحادثة دائماً ، فالحوار يمكن أن يكون هشاً و محدداً أما المحادثة فتعني وجود أفكار و آراء شخص آخر و ليس بالضرورة أن ينتج عنها شيء ذو معان أكثر .
إن الكلام أو التعبير بحرية عما يشعر به المرء يخفف من الضغط و يسمح للمشاعر المكبوتة , و المحادثة تعني أيضاً أن شخصين أو أكثر يكتشفان أفكارهما و كلماتهما بل حتى قلبيهما إلى درجة معينة على الأقل إلا أن ذلك لم يعد مقبولاً لدينا اليوم.
من يريد أن يكشف نفسه و يشعر بالضعف أمام الآخرين :
يقول المحرر و الشخصية البارزة بريتش ناندي Pritish Nandy : " ستختفي كلمة ( محادثة ) من قواميسنا قريباً فهناك معان جديدة للترابط تسود حياتنا و تعيد توصيفها , فأنا أتحدث للناس عبر التويتر هذه الأيام في حين أنني كنت أمسك بسماعة الهاتف و أتكلم معهم ، أما الآن فأنا أتحدث حسبما أختار لأشخاص أريد فعلاً الكلام معهم حتى أنني أتحادث مع عدد أقل "
ويفرض هذا الاستنساب أزمة كبيرة للفئة الشابة و تشعر تيركل أن فقدان المحادثة يجعلنا عاجزين عن فهم أنفسنا لأن ما نفهمه من خلال الحديث مع الآخرين على مر الوقت يشكل أفكارنا و مشاعرنا ، و بعبارة أخرى تساعدنا المحادثة مع الآخرين على معرفة أنفسنا بشكل أفضل، لذلك فإن غياب المحادثة يضعف من قدرتنا على استبطان أفكارنا و مشاعرنا و هذا هو الأساس المتين للتطور لدى الجنس البشري .
ويجد كاتب السيناريو سانجاي تشوهان هذا العالم الصامت مرعباً حيث تجري أفضل المحادثات داخل رؤوسنا و تحاول قلوبنا جاهدة أن تتواصل ، إلا أن عقولنا تمنعنا من ذلك إننا نخفي مشاعرنا الحقيقية خلف قناع التكنولوجيا .
ربما أصبحت المحادثة تعني بالنسبة لنا التواصل مع الناحية التي تخيفنا من أنفسنا وهو الجزء الذي نواصل دفعه إلى الوراء ونخفيه بحرص شديد ، لأننا لا نرغب في التعامل مع حقائق لا تناسب عالمنا ( المثالي ) و هنا تكون سدادة الأذن في متناول اليد لمسح هذا الضجيج الذي يدعى الكلام , ويروج الجميع بأن المحادثة هي من الشكليات حتى عندما يلتقي الأصدقاء للتحدث فيما بينهم تبقى عيونهم ملتصقة بهواتفهم بدلاً من أن تكون ملتصقة بعيون بعضهم البعض ومنها إلى عقولهم وقلوبهم.
بدأ غريغوري ديون و هو مدون كندي محاولة فريدة للتحدث إلى الناس عبر مدونته ( One Hundred Cups . com)
وتهدف إلى تناول 100 فنجان من الشاي مع 100 شخص غريب و كل ذلك على أمل أن يتعلم شيئاً أو أكثر فكتب ما يلي : " أنا غريغ أشرب الشاي مع الغرباء و سأخبرك ما الأمر ..أريد أن ألهم الناس ليكونوا اجتماعيين مرة أخرى ألسنا مخلوقات اجتماعية ؟ إذاً كيف يصبح العالم منعزلاً بهذا الشكل و مليئاً بأناس لا يرغبون بالحديث مع الآخرين، أرجو أن أتمكن من تشجيع الناس ليتمهلوا ليتشاركوا ليسردوا القصص و يضحكوا عندا يشعروا بالرغبة في الضحك وليس فقط عندما يبدو ذلك مناسباً فقط بل كل الوقت و مع أي كان و في أي مكان و زمان ".
يقال أن :
o كلمة محادثة ستختفي قريباً من قاموسنا ، هناك معاني جديدة من الارتباط تأخذ طريقها إلى حياتنا و تعيد توصيفها .
o تحاول قلوبنا جاهدة أن تتواصل إلا أن عقولنا تدفعنا إلى الوراء، إننا نخفي مشاعرنا الحقيقية خلف قناع التكنولوجيا .
o غياب المحادثة يضعف قدرتنا على معرفة مشاعرنا و أفكارنا ،و هي الأساس المتين لتطور الجنس البشري .
كيف تتكلم بشكل أفضل :
o الاستماع أكثر من الكلام إن المحادثة الجيدة هي أن تعير آذاناً صاغية .
o عندما تكون ضمن مجموعة لا تتحدث إلى شخص واحد فقط أنتظر حتى يحين دورك إن ما يقتل المحادثة هو أن تكون بحاجة إلى رفع صوتك /، أجل تسمع .
o فكر قبل أن تتكلم و لكن ليس إلى حد أن تقرر الاحتفاظ بأفكارك لنفسك لأنك تظن أنك تعرف أكثر .
o التحديق في هاتفك الخليوي خلال كلامك سيقضي على أي مجال لمحادثة نصف لائقة .
o تفهم معنى الصمت فهذا ضروري لتطوير مهارات المحادثة حيث يساعدك الصمت على تجميع أفكارك و التفكير ملياً بشكل أفضل حول أي موضوع .