بحيرة بلون الدماء
بحيرة ناترون التي تقع في شمال تنزانيا قاسية إلى درجة أنها تحرق أي شيء يلامسها، وهي بحيرة مالحة تمتد على مسافة 56 كم على منطقة آروشا شمال تنزانيا، وتشتهر بكثرة الطحالب فيها، ومياهها ذات اللون الأحمر كالدم والمساحات القاحلة التي تحيط بها، وتركيبها الكيميائي المميز.
من المعروف أن مياه معظم البحيرات العذبة تصب في المحيط في نهاية الأمر، إلا أن البحيرات المالحة تختلف عنها فهي بحيرات مغلقة، تسمح بتجمع الترسبات ضمنها لكنها لا تدعها تتدفق منها مما يؤدي إلى تراكم الملح والمعادن الأخرى بتراكيز عالية. وأشهر مثالين على البحيرات المالحة بحيرة سولت ليك يوتاه الكبرى التي تقع في الجزء الشمالي من ولاية يوتا/الولايات المتحدة الأمريكية، والبحر الميت الذي يقع في الجزء الغربي من الأردن. وتتوافق بحيرة ناترون مع هذا التصنيف مع اختلاف واحد محدد يبعدها عنه ـ ألا وهو تركيب مياهها القلوي الشديد، حيث تصل نسبة درجة الحموضة (PH) فيها إلى حد 10,5 ـ أي ما يقارب مستوى الأمونيا ـ وهذا ما يفسر وجود القليل جداً من أشكال الحياة في تلك البيئة القاسية. ولا تصل النسبة إلى هذا الحد من الارتفاع في أي مكان في البحر الميت. فكيف أصبحت بحيرة ناترون قلوية بهذا الشكل؟
الجواب هو وجود بركان "أول دوينو لينغاي" أعلى البحيرة في وادي (ريفت فالي)، وهو بركان نشط يقذف بمواد غنية بالقلويات، وعبر جريان مياه الأمطار والينابيع الحارة المجاورة تتدفق تلك الحمم القاتمة مطلقة النطرون - وهو خليط من كربونات الصوديوم وبيكربونات الصوديوم الذي استخدمه قدماء المصريين في التحنيط - حيث يشق طريقه إلى بحيرة ناترون مسبباً ارتفاع نسبة درجة الحموضة (PH) وبعض التنوع البيولوجي الساحر.
البعض يحبها حارة:
بالرغم من تركيبها الكيميائي ذو السمية الشديدة، إلا أن بحيرة ناترون موطن لبضعة أنواع مختارة من الكائنات الحية التي تكيفت مع مياهها الكاوية. إن درجة حرارة مياهها شديدة الارتفاع والتي تصل إلى 60 سلسيوسية تزيد من تكاثر الأثريات المحبة للملوحة وهي من البكتيريا القديمة وتعطي البحيرة مظهرها الأحمر، كما أن بحيرة ناترون موطن لنوع واحد فقط من السمك المشطي الذي يبلغ طوله حوالي 6 سم ويستوطن تلك المياه. لكن قد يكون أكثر نوع جدير بالذكر وغير متوقع ويثير منظره الدهشة بتدافعه أفواجاً إلى مياه بحيرة ناترون سنوياً طائر فلامنغو القزم.
يصنف طائر الفلامنغو القزم بأنه مهدد بالانقراض حسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة. ومع ذلك فإن ثلاثة أرباع أعداده في العالم تعيش في هذه المنطقة من أفريقيا، فحين يرتفع منسوب المياه ويزداد توفر الطعام، تستخدم الآلاف من هذه الطيور الرائعة بحيرة ناترون كمكان لبناء أعشاشها.
تتجمع هذه الطيور على جزر لا يمكن الوصول إليها ضمن البحيرة السطحية المالحة مما يرغم الباحثين على دراستها جواً، وهذه الصعوبة في الوصول للجزر هي ما يحمي أعشاش الفلامنغو من الحيوانات المفترسة كالضباع، ويجعل البحيرة موطناً مثالياً للطيور.
إن هذا النظام البيئي فريد من نوعه ولكن لا تدع تلك الكائنات المجهرية وطيور الفلامنغو تخدعك فما تزال بحيرة ناترون احدى أخطر المساحات المائية في العالم والتي لا يرغب أحد بالسقوط فيها.