وداعاً لثقافة السيارات التقليدية ومرحباً بوسائل النقل الشخصية ذاتية التحكم
قد لا يحظى أي تقدم مفاجئ لأي تكنولوجيا جديدة في أحد الحقول بالاهتمام الذي يحظى به اختراع آخر ، ولكن السيارات ذاتية التحكم ستحظى باهتمام كبير ومغاير لكل الاختراعات لأنها ستقلب موازين عالم المواصلات والنقل على الطرق في العالم، وقد تكون الإختراع الأكثر أهمية وتأثيراً على حياة الملايين في السنوات القليلة القادمة، وللتوضيح نذكر أن البريطانيون قد قاموا في القرن الثامن عشر ولعشرات السنين بالنظر والتحديق بالنجوم وقاموا بتصنيف الجداول الفلكية والبحث عن الطرق الفلكية لرسم خطوط الطول من اجل ايجاد طريقةٍ عمليّة لتحديد إحداثيات خط الطول لأي سفينة ، ولكن الحل لهذه المشكلة تحقق بمرور الوقت من خلال تقنية مختلفة تماماً؛ ألا وهي ساعة دقيقة للغاية ، حيث أصبح بالإمكان تحديد خطوط الطول بسرعة وبسهولة متناهيتين من خلال مقارنة الوقت على مدار ساعة غرينتش بالتوقيت المحلي (الذي يمكن احتسابه من خلال متابعة شروق الشمس).
وفي عصرنا الراهن، تواجه وسائل النقل التي تعمل بالكهرباء موقفاً مماثلاً. فقد استثمرت مليارات الدولارات في تطوير مكونات السيارات الكهربائية؛ وفي مقدمتها تكنولوجيا البطاريات الكهربائية وهي من التقنيات الحديثة التي وصلت إلى حد الإتقان ، وتم إقامة مراكز متخصصة لشحن بطاريات السيارات التي تعمل وفق هذه التقنية ، وطورت عمليات الإنتاج، وتم التغلب على الكثير من المعيقات القانونية والمالية التي واجهت هذه التقنية ، وفي الوقت الذي قامت به جيوش من المهندسين بالعمل لإيجاد حلول للعديد من المعيقات التي تواجه هذه التقنية الجديدة بهدف جعلها قابلة للاستخدام دون تدخل أي عنصر بشري دون تحقيق أي نتائج ، تمكنت مجموعات صغيرة من المختصين بالتكنولوجيا من تطوير تكنولوجيا أخرى جديدة لا يبدو للوهلة الأولى بأنها ذات علاقة بوسائل النقل التي تعمل بالكهرباء ، وهي المركبات التي تعمل بدون سائق والتي يمكن أن تسير لوحدها على الطرق المنتظمة ولا تحتاج إلى أن يتحكم بها الإنسان كما لا تحتاج إلى إجراء تعديلات على البنية التحتية للطرق التي تسير عليها.
إن ظهور تقنية المركبات او وسائط النقل ذاتية التحكم ِAutonomous vehicles سيؤدي الى حدوث تغيير جذري في موضوع النقل وكل مايتعلق به ، لأنه عندما يتم تطبيق تقنية المركبات على نطاق واسع من خلال أساطيل من السيارات ذاتية التحكم، فلن تكون هناك حاجة لإقتناء المزيد من السيارات التي يقودها الإنسان وستختفي متعة القيادة ومتعة مسابقات السيارات وكؤوس البطولة للسائق الأكثر شهرة في العالم ، وأيضاً ستختفي حوادث السيارات والمآسي الإجتماعية التي تخلفها ولابد في حينها من تغيير شامل لمنظومة الأمن المروري وقوانين السير على الطرقات والمخالفات الثابتة والمتحركة وغيرها الكثير والكثير !!
السيارات ذاتية التحكم ستصبح تنافسية:
تُعد السيارات الشخصية أو السيارات المستأجرة وسيارات الأجرة ( التاكسي ) أهم وسائل النقل حالياً. ولكن تعاني هذه الوسائل كلها من مشاكل متعددة أهمها كلفة الإقتناء او الشراء ثم ثمن الوقود ثم الصيانة والتأمين والترخيص والإزدحام وعدم توفر مواقف مناسبة للسيارة ، وتعاني وسائل النقل الأخرى كالسيارات المستأجرة وسيارات التاكسي من سلبية كبيرة، كل هذه المشاكل ستختفي عندما تتمتع وسائل النقل بالقدرة على القيادة من دون تدخل الإنسان.
كيف سيحدث ذلك :
سيكون بمقدور أي شخص القيام بطلب سيارة ذاتية التحكم عبر الهاتف أو من خلال استعمال تطبيقات الهواتف الذكية. حيث ستصل السيارة خلال دقائق لنقله وإيصاله إلى وجهته، طبعاً ستكون السيارة بدون سائق مما سيوفر للركاب خصوصية تامة ، وبعد ايصال الركاب الى وجهتهم ستكون السيارة جاهزة لخدمة الزبائن الآخرين.
مبدئياً، ستوفر السيارات ذاتية التحكم الظروف لإحداث التقدم المفاجئ في أنظمة مشاركة السيارات ومقدمي خدمة النقل ذاتية التحكم. وبالمقارنة مع السيارات الشخصية ستقدم السيارات ذاتية التحكم خدمة نقل للأفراد بمستوى مماثل من ناحية الخدمة والراحة؛ ويعزى ذلك إلى الاستفادة الأفضل منها وتهيئة أسطول سيارات مقابل أسعار منخفضة جداً. وفي المناطق ذات الاكتظاظ السكاني، ستضمن السيارات ذاتية التحكم أن أنظمة مشاركة السيارات ستزيد من حصتها في حركة مرور السيارات الخاصة ازدياداً ملحوظاً.
سيوفر هذا الأمر الظروف الملائمة لإحداث النقلة النوعية للسيارات الكهربائية لتلبية متطلبات الرحلات الداخلية او الرحلات الخارجية للمسافات الطويلة، وعدد الركاب، وحجم حقائب السفر... إلخ، وكجزء من التطور في منظومة النقل سيتم العمل على تحسين هذه السيارات لتتمتع بمحركات أكثر قوة وتحمل لمدة أطول والسير لمسافات أطول ، وتكاليف صيانة أقل وانبعاث غازات أقل من أجل المحافظة على البيئة ، وبذلك سيكون مشغلي أساطيل السيارات قادرين على تلبية متطلبات عملائهم وإرسال المركبة التي تستوفي متطلبات النقل بدقة لهم ، ولأن الأغلبية العظمى من الرحلات محلية وقصيرة المسافة، فيمكن خدمة أغلب الرحلات باستخدام السيارات الكهربائية. ويمكن استخدام عدد أقل من المركبات التي تعمل باستخدام الوقود الأحفوري لرحلات المسافات الطويلة. وبالتالي، يحتمل أن تتألف أساطيل السيارات غالباً من السيارات الكهربائية المكونة من مقعدين وسيتألف جزء صغير منها من سيارات أكبر أو سيارات تعتمد على الوقود الأحفوري. وتُعد هذه الإمكانية المتمثلة في تصميم أسطول السيارات يعمل حسب الطلب ابتكاراً مميزاً قد يرى النور فقط عندما تستطيع السيارات قيادة نفسها للزبون. وبهذه الطريقة، يمكن تقليل التكاليف الإجمالية واستهلاك الموارد المتعلقة بالنقل بشكل ملحوظ.
بالطبع، ليس من الضروري أن تستخدم أساطيل السيارات ذاتية التحكم المركبات الكهربائية، لكن ثمة ثلاثة أسباب قوية فضلاً عن تلك التي نوقشتْ أعلاه تقدم إجابةً وافيةً للسؤال التالي: "لماذا تعد السيارات الكهربائية مناسبة جداً للأساطيل الأولى من السيارات ذاتية التحكم؟"
1. ستظهر الأساطيل الأولى من المركبات ذاتية التحكم بالكامل في الأماكن الحيوية حيث يكون التحكم بالمخاطر أمراً أكثر سهولة. بيد أن سرعاتها والمسافات التي تقطعها بادئ الأمر ستكون منخفضة جداً. في البداية، يمكن أن تسافر بشكل جزئي على طرقها الخاصة، لكن سوف تُحسن قدراتها فيما بعد. على سبيل المثال، مشروع ميلتون كينيس الذي سيشهد تسيير 100 سيارة ذاتية التحكم بين العامين 2015 و 2017 لإيصال الأشخاص من محطة القطار إلى وسط المدينة وبالعكس. تختلف متطلبات هذه السيارات فيما يتعلق بالمسافة والحد الأقصى للسرعة وعدد المقاعد...إلخ بشكل ملحوظ مقارنةً بالسيارات التقليدية. علاوة على ذلك، لا تتوافق أصناف السيارات الحالية مع الأسطول الأول من السيارات ذاتية التحكم، حتى لو عدلت لتعمل بدون سائق على الإطلاق. وفي الوقت عينه، يُرجح أن مصانع السيارات لا تتحلى بالحماس اللازم لتطوير أصناف متخصصة صغيرة الحجم من هذه السيارات لاستخدامها في أساطيل السيارات الجديدة ذاتية التحكم.
2. الأصناف الحالية الموجودة في مجال صناعة السيارات بما فيها تلك الأنواع المزودة بأنظمة حديثة لمساعدة السائق غير مناسبة لتعمل كسيارات ذاتية التحكم. ويجب تعديل هذه السيارات بحيث تدعم وضع القيادة الآلية. كما ينبغي فصل جميع المكونات والأنظمة المهمة من ناحية السلامة. التعديلات المستخدمة في النماذج الحالية ومركبات الاختبار غير مناسبة للتشغيل الفعال، لذا فإن تعديل الأصناف الحالية من السيارات وتكييفها لتعمل بآلية تحكم ذاتية أمرٌ مهم. قد يكون هذا الإجراء معقداً ويتطلب جهداً ووقتاً سيستغرق وقتاً أطول من الوقت الذي يستطيع مشغلو الأساطيل تحمله.
3. تصميم وإنتاج عدد قليل من السيارات الكهربائية ذاتية التحكم كلياً للنقل المحلي لكي تكون جزءاً من أساطيل السيارات ذاتية التحكم كلياً أكثر سرعة وسهولة من تصميم وإنتاج السيارات الكلاسيكية التي يجب ان تُتكيف لتناسب احتياجات مقدمي خدمات النقل ذاتية التحكم. حيث أن درجة تعقيد المركبات الكهربائية منخفضة؛ فهي تعتمد على قوة الدفع الكهربائي الذي يسهل عمليات التصميم الزائدة لجميع مكونات السلامة المهمة. وكمثال على ذلك، يتميز المحرك الكهربائي بميزات سلامة مدمجة داخله ومنها: إمكانية استخدامه للفرملة، وإذا دمجت المحركات في العجلات فيمكن أن تؤدي دور أداة توجيه السيارة في حالات الطوارئ.
وحيث أن النقص الحالي في البنى التحتية الوطنية المخصصة لشحن السيارات الكهربائية يُشار إليه في معظم الأحيان على أنه مشكلة رئيسية، إلاَّ أن هذه المشكلة ستزول عندما تستخدم أساطيل السيارات المدنية ذاتية التحكم، لأن هذه المركبات ستستعمل فقط في حركة المرور المحلية ضمن مساحة جغرافية معينة، فيكفي توزيع البنى التحتية المخصصة لشحن السيارات في هذه المنطقة بالتحديد وتوظيف العدد الفعلي للسيارات الكهربائية وتحديد معدل الطلب الفعلي لوسائل النقل. وبالتالي، يمكن أن تتطور البنية التحتية بالتزامن مع نمو أسطول السيارات، ولم يعد من الضروري بناء بنية تحتية كبيرة قبل فترة طويلة من تشغيل السيارات الكهربائية الأولى.