هل تقلصت مدة انتباهنا الجمعي ؟
تشير بعض الدراسات أن متوسط الانتباه البشري قد انخفض ليصل إلى ما مدته ثمان ثوانٍ – أي أقل من متوسط الانتباه لسمكة ذهبية ، وهذا على الأقل ما ذكرته موجة من التغطية الصحفية الحديثة من مصادر صحيفة نيويورك تايمز.
وعلى الرغم أن هذه المعلومة لا تستند إلى مصدر واضح ، الا أن هناك دراسة حديثة تفيد بأن مدة الانتباه التي تقلصت مؤخراً ـ ليست الانتباه الفردي بل الانتباه الجمعي.
ما معنى مدة الانتباه الجمعي:
حسب دراسة قام بها فريق من الباحثين الأوربيين عام 2019م، فإن مدة الانتباه الجمعي تعني إلى متى يبقى أي موضوع رائجاً،؟ ما السرعة التي تنتشر بها أحاديثنا العامة ؟ وما المدة التي يستغرقها تأثرنا بفيلم أو كتاب أو هاشتاغ قبل أن يفقد بريقه؟
وبهدف قياس مدة انتباهنا الجمعي عبر الزمن لجأ الباحثون الى البيانات التالية :
- مبيعات تذاكر السينما خلال (40) عاماً الماضية.
- بيانات كتب غوغل حول الكتب التي تم تأليفها في 100 سنة الماضية.
- بيانات تعداد علمية تعود إلى فترة 25 عاماً الماضية.
- وبيانات عام 2010م من ريديت Riddit ، ويكيبيديا Wikipedia وغوغل تريندس Google Trends.
قام الباحثون بتحليل الأرقام لمعرفة كيفية انتشار الشعبية على كل تلك المنصات المختلفة، حيث قاموا بقياس الشعبية بمعدل التعليق على موقع ريديت، مثلاً، وحسب الفترة الزمنية التي يبقى فيها أي موضوع رائجاً على تويتر ؟ وذلك بهدف الإجابة على مدة انتباهنا الجمعي بمرور الوقت؟
وجد الباحثون أن هذا صحيح ولكن ليس في كل المجالات. من عام 2013م إلى عام 2016م كانت الهاشتاغ تدوم في المراكز الخمسين الأولى على توتير بمعدل وسطي17.5 ساعة إلى 11.9 ساعة، كما وجد الباحثون تقلصاً مماثلاً على ريديت وكتب غوغل وفي مبيعات تذاكر السينما. أما موقع ويكيبيديا والمعلومات العلمية فقد أظهرت مدة انتباه جمعي ثابتة بشكل مناسب.
فما الذي يحدث؟
نموذج لقياس تقلص الانتباه:
أنشأ الباحثون نموذجاً رياضياً تنبأ بالكثير من التقلص الذي شهدوه، فقد اعتبر هذا النموذج وسائل الإعلام "كفصيلة تتغذى على الانتباه البشري"، وافترض أن الانتباه البشري محدود ويمكن التنبؤ به منساقاً إلى بضع أمور أساسية منها الرواج والبدع الجديدة.
أظهر هذا النموذج أن مدة انتباهنا الجمعي قد تقلص بسبب ازدياد المنافسة، بوجود الكثير من "الأصناف" التي تأمل "أن تتغذى" على طعامها المفضل وهو انتباهنا، أو كما يصفها الباحثون "إن تحليلنا يظهر معدلات متزايدة من إنشاء المواضيع واستهلاكها بكونها أهم قوة دفع للديناميكية المتسارعة لانتباهنا الجمعي.
إننا نعمل بسرعة حين تكون قائمة الواجبات طويلة، كذلك الحال بالنسبة لوسائل الإعلام التي نستهلكها بوتيرة أسرع لأنها تغرقنا بخيارات تسلية كثيرة فلو كانت وسائل الإعلام أقل او اننا نقبل على ما تقدمه لنا بشكل ابطأ ، ربما يقوى انتباهنا الجمعي ثانية.
وقد حذر علماء الاجتماع وعلماء النفس والمعلمون من أزمة ناشئة تنبع من حالة "الخوف من التقصير بالإطلاع " ،وهذه الحالة المنتشرة كوباء تعني ان كل شخص يلهث خلف مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة آخر المستجدات ومواكبة آخر الأخبار ، والأخبار العاجلة التي تأتي على مدار الساعة، الأمر الذي يؤدي الى السطحية في استقبال المعلومة والتعامل معها واهمالها بعد ثواني معدودة من اجل الانتقال الى المعلومة التي تليها بسرعة.
لا يزال يتعين إجراء المزيد من الأبحاث حول "الأسباب" ، ولكن في الوقت الحالي ، لا تقلق حين تتصفح أحد مواقع التواصل الاجتماعي وتشعر بعدم قدرتك على التركيز فليس انتباهك الخاص هو ما يتقلص، بل أن الإجابة تكمن في وجود المئات بل الالآف من وسائل الإعلام التي تتنافس فيما بينها على جذب وكسب انتباهك ، لأن الانتباه والاهتمام طويل المدى اصبح السلعة الأكثر ندرة هذه الأيام !!