هل الاقتراح الذكي أقوى من الأمر المباشر؟
قد تظن أن أفضل طريقة لجعل أحدهم يقوم بعمل ما هو أن تطلب اليه ذلك بصراحة. قد يكون هذا معقولاً، إلا أنها ليست أفضل طريقة ناجحة إلا إذا كانت لديك السلطة على ذلك الشخص (كأن تكون والده، رئيسه في العمل أو معلمه). لقد تبين أن الاقتراح غير المباشر الذي يقدم بذكاء يعطي نتائج أفضل عند التعامل مع أشخاص يمكنهم الرفض بكل بساطة. وهذا هو التنبيه.
نظرية التنبيه وعلم الإقتصاد السلوكي Nudge Theory and Behavioral Economics
ربما صادفت هذه النظرية في مكان عملك كل يوم. لو أنك سبقت الوقت في ساعتك لتتفادى التأخير، أو اشتريت وجبة خفيفة فردية بدلاً من كيس كبير لتفادي الإفراط، أو أعددت حسابك المصرفي ليضع آلياً جزءاً من راتبك في حساب التوفير، تكون قد فعلتها بنفسك، والشركات تفعل ذلك أيضاً. فالنظرية موجودة في كل مكان بدءاً من بطاقة الدفع في مكانك المفضل لتناول الغداء إلى الرسم الإضافي الذي تتقاضاه شركات الطيران عن حمل الأمتعة.
إن نظرية التنبيه هي أحد أكثر المجالات إثارة في حقل علم الإقتصاد هذه الأيام، وهي مهمة جداً إلى حد أن ريتشارد تالير، وهو من كبار الأكاديميين في مجال علم الإقتصاد السلوكي الأستاذ في كلية "شيكاغو بوث" للأعمال، قام بتأليف كتاب بعنوان " التنبيه" (Nudge) حقق أعلى المبيعات في العالم ويبحث الأسباب التي تدفع الأشخاص للاختيارات السيئة أو غير العقلانية في قراراتهم الاقتصادية، وقد نال جائزة نوبل عام 2017 عن عمله حول هذه النظرية.
تساعد هذه الخطة الحكومات على خلق سياسات تغطي احتياجات المواطنين، وقد قامت بريطانيا بتأسيس وحدة للتنبيه استناداً الى أبحاث البروفيسور ثالر أثناء ولاية ديفيد كاميرون رئيس الوزراء السابق في عام 2010. وتعمل هذه الوحدة للتوصل إلى سبل إبداعية لتغيير السلوك العام، ولديها مكاتب في بريطانيا ونيويورك وسنغافورة وسيدني .
إن الفكرة الأساسية التي تجعل هذه النظرية تختلف عن غيرها من النظريات الاقتصادية هي أنها لا تزعم أن الناس (أو الوكلاء باللغة الاقتصادية) يتخذون القرارات بشكل خارج تماماً عن نطاق المصلحة الشخصية المنطقية، بل إنها بدلاً من ذلك، تستند إلى المقدمة المنطقية بأن أغلبية القرارات التي يتخذها المرء تحدث دون وعي منه أو نتيجة عوامل خارجية لا يعيها من يتخذ القرار إلا بشكل هامشي.
أليس هذا مجرد تلاعب فكري؟
يلفت نقاد هذه النظرية الانتباه إلى بعض المسائل المقلقة من الناحية الأخلاقية. إنك حين تقنع أحدهم بالقيام بأمر لا يفعله عادة تكون قد خاطرت بالدخول إلى منطقة أخلاقية حيادية خاصة عندما يتعلق الأمر بأنشطة مضرة مباشرة كالتدخين أو تناول المشروبات الكحولية. استخدم العاملون في حقل الدعاية أشكالاً بدائية من هذه النظرية لإرسال الجنود الشباب إلى الحرب منذ قرون ومثل أية وسيلة أخرى، يمكن استخدام الاقتراح البارع إما للخير أو للشر.
على كل حال، من الصعب إلقاء المسؤولية على أحدهم بسبب اتخاذ قرار ما ـ ففي النهاية إن تعريف صانع القرار هو الشخص الذي اختار تنفيذ الأمر سواء كان بدافع عوامل خارجية بارعة أم لا ـ. والحقيقة أن نظرية التنبيه لا ترغم أبداً المرء على اتخاذ قرار معين بشكل مباشر، وأن أي شخص وقع تحت تأثير هذه النظرية يحتفظ دائماً بالحق في اختيار أن يفعل ما يعتقده الأفضل بالنسبة له.
أمثلة عملية عن نظرية التنبيه:
أحد أشهر الأمثلة عن هذه النظرية هو وضع ملصقات صغيرة على شكل ذبابة على أماكن التبول في مطار Schiphol في أمستردام، حيث كان تأثيره مذهلاً إذ قل تناثر البول بحوالي 80%. في اسبانيا يسجل نظام التبرع بالأعضاء المواطنين بشكل أوتوماتيكي إلا إذا اختاروا الانسحاب، وهذا ما جعله يحتل المرتبة الأولى في العالم كمصدر لزراعة الأعضاء.
وجدت المخازن الكبرى (السوبر ماركات) أن وضع أسهم على الأرض تقود إلى أكشاك بيع الخضار والفواكه الطازجة قد أدى إلى ارتفاع هائل في نسبة المبيعات.
بالنسبة للأمثلة غير الأخلاقية عن هذه النظرية، لا تبحث عن أبعد من الشركات التي تعرض اشتراكاً تجريبياً مجاناً. تأتي هذه العروض بطباعة جميلة تحدد أنك ستدفع كامل قيمة الاشتراك بعد انتهاء فترة التجريب إلا إذا اخترت الانسحاب، وهذا الأمر غالباً ما يكون أكثر تعقيداً من الاستمرار به. حتى أمين الصندوق في مطعم الوجبات السريعة حين يسألك إذا كنت ترغب بزيادة حجم وجبتك فذلك مثال عملي على النظرية، ويوافق معظم الزبائن بدون حتى مجرد التفكير بالأمر.
إن معرفة أنك غالباً ما تتخذ قراراتك دون وعي قد يساعدك على تهيئة نفسك لحسن اتخاذ القرار. إذا كنت تحاول البدء بعادة جيدة، خطط يومك على أساس أن الالتزام بتلك السلوكيات هي أسهل الخيارات، ولابد أن تنجح.