ما هي وظائف الروبوت في الأعوام القادمة؟
يواجه العالم قوة خفية تتعاظم تدريجياً وتحمل عدة أسماء: الحوسبة والأتمتة والذكاء الاصطناعي والتقنية والابتكار ولكن الاسم المفضل لدى كل شخص هو الروبوت.
هذه القوة الخفية المتعاظمة في طريقها للاستيلاء على نصف الوظائف في أمريكا وربما حول العالم أيضاً خلال "عقد أو اثنين" وفقاً لدراسةٍ حديثة، لكن السؤال المطروح، أيُّ نِصف هذا؟
تتوقع الدراسة أن الموجة القادمة لتطور الكمبيوتر ستواصل تقليص عمل الإنسان اكثر مما هو عليه الآن، سواءً في التصنيع أو الدعم الإداري أو البيع بالتجزئة أو المواصلات، حتى أن الوظائف المتبقية في المصانع "من المحتمل أن تتلاشى في العقود القادمة" حسب زعم هذه الدراسة ، وهذا الخطر لا يستثني أمناء الصناديق وموظفي الاستقبال وموظفي التسويق عبر الهاتف.
أما الوظائف العشرة التي يُرجح أن تُستبدل الآلات والبرامج بها بنسبة 99% بالمائة فهي في الغالب معظم الوظائف الروتينية (التسويق عبر الهاتف) والعمل الذي يُمكن حله بالخوارزميات المعقدة (إعداد الضرائب ومفاتيح إدخال البيانات وتحرير بوالص التأمين)، في حين أن الوظائف المستبعد أتمتتها فهي: موظفو العناية بالصحة والناس المؤتمنون على سلامتنا والمناصب الإدارية.
الأمر المهم القادم:
توقع المستقبل يعني منطقياً استقراء الماضي، وغالباً ما تفشل عملية توقع الاكتشافات المفاجئة، بيد أن هذه الاكتشافات غير المتوقعة في مجال الحواسيب بإمكانها إحداث التأثير الأكبر على اليد العاملة.
وعلى سبيل المثال تخيل شخصاً في العام 2004 يتوقع ما التطور الذي سيحدث في مجال تقنية الهاتف المحمول خلال السنوات العشرة القادمة ، حيث شهد العام 2004 أي قبل ثلاث سنوات من إطلاق جهاز آيفون الذي اصبح أكثر جهاز مبيعاً ضمن فئة الهواتف المحمولة ، شهد 2004 كثيراً من التنبؤات بمستقبل الهواتف ، لكنها كانت بمجملها توقعات اقل بكثير مما حدث فعلياً فالهواتف النقالة اصبحت هواتف ذكية ولم تعد مجرد هواتف فحسب .
وتقول الدراسة أن التقنيات القابلة للارتداء أو "انترنت الأشياء" تبدو كنوع من البلاهة اليوم، ومنذ عشرة سنوات مضت، بدا مستقبل الهاتف المحمول على شكل هاتف ثابت صغير الحجم لا سلكي ومزود بلعبة الأحاجي "تتريس"، غير أن مبيعات الهواتف الذكية في يومنا هذا على وشك أن تتخطى تلك الخاصة بالحواسيب، وهذا يدل على أن الاكتشافات العلمية قد تكون سريعة جداً.
وقد نكون على حافة لحظة اكتشاف جديدة في علوم الروبوت والذكاء الصناعي. وعلى الرغم من التطور الذي شهدناه خلال 30 سنة مضت إلا أن الوظائف التي تتطلب مهارات متوسطة وعالية وقليلة ازدادت فعلياً، كما لو أنها كانت محمية من غزو جيوش الروبوتات عبر خنادقها الحصينة، فضلاً عن أن العمال المهرة كانوا محميين بحصونهم الاجتماعية الذكية. وقد أثبت تاريخ الحواسيب أنها جيدة في تنفيذ الأعمال الروتينية لكنها سيئة في إيجاد الحلول والتواصل مع الناس واتخاذ القرارات، وهي أمور يتقاضى المدراء رواتب عالية لتنفيذها. لذا يرى بعض الناس أن المدراء في الوقت الحالي هم أكبر الفئات حصانةً ضد الموجة الجارفة للذكاءالعاطفي.
وفي الوقت الراهن يقول هانز مورافيك وهو من مشاهير المتنبئين بالمستقبل يقول إن العمال ذو المهارات القليلة لأن تقنية الآلات تُحاكي عقلية الرضيع واسع المعرفة، حيث أن الآلات بإمكانها حل معادلات رياضيات طويلة بسرعة وأن تهزم أي شخص في لعبة الشطرنج، لكنها تعجز عن إجابة سؤال بسيط أو صعود السلالم. ونتيجة لذلك فإن الأعمال المتواضعة التي يُنجزها أناسٌ الأقل تعليماً (مثل موظفو العناية بالصحة المنزليين أو مقدمو الوجبات السريعة) قد تكون بمنأى عن تأثير الآلات أيضاً.
لكن يُحتمل أننا وصلنا نقطة الانقلاب، كما أشار إيريك برينجولفسون و اندرو مكافي في كتابهم العرق ضد الآلة Race Against the Machine (وفي كتابهم الجديد العصر الثاني للآلات The Second Machine Age)، حيث أن الآلات اخترقت أخيراً هذه الحصون من خلال التحرك والتفكير كالإنسان. آمازون قامت بشراء وتشغيل الروبوتات لإدارة مخازنها، واصبح الهاتف الذكي يستجيب لنداء صاحبه اذا قال له أنا تائه! ساعدني! وعندها بإمكان الهاتف الذكي ان أن يخبره كيف يصل إلى المنزل.
الحواسيب التي بإمكانها قيادة السيارات بالتحديد لم يُفترض لها أن ترى النور، حتى في السنوات العشرة الماضية، حين كان كثير من المهندسين يقولون أن هذا الأمر مستحيل، فقيادة السيارة في شارع مكتظ ليس روتين حياة ليس بحاجة الى التفكير والانتباه الشديد ،بل يحتاج إلى مزيج بارع من الإدراك المكاني والتركيز الجيد والتوقع المتكرر، وهي مهارات موجودة لدى الإنسان طبيعياً، لكن تقنية جوجل للقيادة الذاتية للسيارات تمكنت من تجاوز ذلك كله واصبحت اليوم إحدى أكثر القصص تغطية في مجال التقنيات اليوم.
وهذا هو الشيء الأكثر لفتاً للنظر، حيث أنه في عقد مضى انتقلت فكرة الحواسيب التي تقود السيارات من مستحيلة إلى فكرة مملة.
النصف الإنساني:
في القرن التاسع عشر، استبدلت تقنية التصنيع الجديدة ما كان عمالٌ مهرة يقومون به في الماضي. وقد يظن شخص ممن يكتبون في مستقبل الابتكارات أن العمال المهرة المذكورين قد فقدوا كل الأمل. لكن في النصف الثاني من القرن العشرين، احتلت تقنية البرامج محل العمل المكتبي ذو الراتب الوسطي؛ الأمر الذي أطلق عليه الاقتصاديون مثل ديفيد اوتور "تجويف" اليد العاملة ذات المهارات المتوسطة.
وقد أظهرت الموجة الأولى أن الآلات أفضل في تجميع الأشياء، في حين أن الثانية وجدت أن الآلات أفضل في تنظيم الأشياء. حالياً تقترح تحاليل البيانات والسيارات ذاتية القيادة أنها أفضل في إدراك الأجزاء والقيادة، لذا فما هي الأمور التي نحن أفضل بها؟
إن رجعت إلى الصورتين الاثنتين لتحديد الصناعات والوظائف الأكثر أمناً، نجد أنها تشتمل على المدراء وموظفي العناية بالصحة والفئة الأعلى التي تضم التعليم ووسائل الإعلام والخدمات المجتمعية. أما الخلاصة التي قد نستنتجها فهي أن الإنسان كان وسيبقى دائماً أفضل في العمل مع الناس الآخرين والاعتناء بهم. وبالتالي فإن الأتمتة لن تجعل العالم أكثر سوءًا مما هو عليه الآن، لكنها تخلق فرصاً جديدة لاكتشاف إبداعات الإنسان.
لكن الروبوتات الآن تزحف إلى مجال التشخيص والعمليات الجراحية، وتُجري المدارس الآن اختبارات لجعل البرامج تستبدل ساعات التعليم. والحقيقة أن هناك بعض الدراسات ما تزال آمنة في العقود الثلاثة الأخيرة لكن هذا لا يضمن بقائها آمنة في العقد القادم. كما تخلص هذه الدراسة .
وحيث أن الحوسبة كانت مقتصرة على المهام الروتينية عبر التاريخ، وتتضمن نشاطات قائمة على أوامر واضحة، إلا أن خوارزميات البيانات الضخمة تدخل بسرعة الآن قطاعات تتعلق بإدراك القطع ويمكن استبدالها بالعمال في تشكيلة واسعة من المهام الإداركية غير الروتينية. كما أن الروبوتات الحديثة بإمكانها اكتساب حواس ومهارات متقدمة مما يسمح لها بأداء نطاق أوسع من المهام اليدوية. وهذا يُرجح حصول تغير في طبيعة العمل في الصناعات والمهن.