لماذا تثير الروائح الذكريات ؟
تنقلك رائحة الخبز المنبعثة من الأبواب المفتوحة لأحد الأفران في شارع مزدحم إلى منزلك القديم الذي عشت فيه اثناء طفولتك وتكاد ان تشم رائحة القهوة التي يعدها والدك وتسمع صوت الجيران . كيف يحدث ذلك ؟
تعمل الرائحة كناقل عبر الزمن فيمكن لجزيئاتها أن تعيد ذكريات كانت منسية لفترة طويلة. ولكن ما السبب وراء تحفيز الروائح بعض الأحيان لذكريات قوية، عاطفية بوجه الخصوص؟
الجواب البسيط على هذا السؤال أن المناطق في الدماغ المسؤولة عن الروائح والذكريات والمشاعر تشكل جديلة مترابطة جداً، في الواقع فإن الطريقة التي يتم بها تمرير إحساسك بالرائحة إلى الدماغ متميزة عن بقية حواسك.
الرائحة عبارة عن جزيئ كيماوي يطوف عبر الأنف إلى البصيلات الشمية في الدماغ حيث تتم أولاً معالجة الحس ليصبح شكلاً قابلاً للقراءة في الدماغ، ثم تقوم خلايا الدماغ بنقل تلك المعلومة إلى منطقة صغيرة جداً في الدماغ تدعى لوزة الدماغ Amygdala يتم فيها معالجة المشاعر، ثم إلى قرن آمون المجاور حيث يتم تشكيل التعلم والذاكرة. الروائح هي الأحاسيس الوحيدة التي تسير عبر هذا الممر إلى مراكز الذاكرة والعاطفة في الدماغ، أما الأحاسيس الأخرى فتسافر أولاً إلى منطقة في الدماغ تدعى المهاد البصري الذي يعمل كلوحة المفاتيح فينقل المعلومات حول الأشياء التي نراها، نسمعها أو نشعر بها إلى باقي أجزاء الدماغ. أما الروائح فتتجاوز المهاد البصري وتصل إلى لوزة الدماغ وقرن آمون بسرعة خاطفة.
ينتج عن هذا الأمر علاقة وثيقة بين المشاعر والذكريات والروائح وهذا سبب أن إثارة الروائح للذكريات بمواجهة باقي الحواس تكون عاطفية ومثيرة للذكريات، وذلك حسب رأي ريشيل هيرتز مؤلفة كتاب (رائحة الرغبة) وأستاذة علم السلوك الإنساني في جامعة براون/رودأيلاند والتي توضح أن رائحة مألوفة ولكن منسية منذ فترة طويلة قد تثير الدموع عند بعض الأشخاص.
عاطفة الرائحة:
يمكن للعلاقة بين الرائحة والذاكرة أن تمتد أيضاً إلى قضايا صحية تتعلق بالذاكرة. إن تناقص حاسة الشم قد يكون عبارة عن عارض مبكر لحالات تتعلق بفقدان الذاكرة مثل أمراض باركنسون وألزهايمر ولكنها قد تكون أيضاً مجرد نتيجة للتقدم بالسن. إن هذا التشابك الغريب بين المشاعر والروائح قد يحمل تفسيراً أساسياً بسيطاً. فلوزة الدماغ نشأت من منطقة في الدماغ كانت سابقاً مخصصة لتحري المواد الكيميائية، فالمشاعر تخبرنا عن الأشياء التي يمكن الاقتراب منها وتلك التي يجب تجنبها، وهذا تماماً ما تفعله حاسة الشم، لذلك فهما مرتبطتان بشكل وثيق ببقائنا على قيد الحياة.
إن الطريقة التي نستخدم فيها مشاعرنا لفهم العالم والتجاوب معه تماثل كيفية استخدام الحيوانات لحاسة الشم ، لذلك حين تثور دموعك بسبب نفحة من عطر أو ترسم بسمة عريضة على وجهك بعد أن تشم رائحة فطيرة معدة منزلياً، يمكنك أن تشكر أو تلوم الطريقة التي ينظم فيها دماغك معلوماته على قمة بناء قديم.