المعجزة التي أنقذت العالم
كثيراً ما تكون الأفكار المسبقة عقبة أمام اكتشاف حقائق مثيرة. والقصص عن ذلك في مجال العلوم كثيرة. ومن أمثلتها، أن سيطرة الأفكار المسبقة على عقول العلماء حالت دون توصل الألمان إلى صنع القنبلة الذرية في بداية الحرب العالمية الثانية. ففي ربيع عام 1934م، حدث في جامعة روما، ولأول مرة، شطر ذرة اليورانيوم على يد العالم أنريكو فيرمي. لكن، وتبعاً لكل القوانين الفيزيائية السائدة آنذاك، فإنه لا توجد قوة على سطح الأرض يمكنها أن تشطر الذرة. وكان حتى مشاهير الفيزيائيين بما فيهم آينشتين وبلانك ورذرفورد وبور، يعتقدون بذلك. وهكذا، عندما رأى فيرمي وفريقه الممتاز ذرات اليورانيوم تنشطر، عجزوا عن إدراك طبيعة ما شاهدوه. كما عجز على مدى الأعوام الخمسة التالية مشاهير العلماء، مثل إيرين كوري، وماري وبيير كوري، عن إدراك ذلك، وهم يعيدون تجارب فيرمي على اليورانيوم آلاف المرات.
وتبعاً لما يقوله ويليام لورنس، المحرر العلمي لجريدة نيويورك تايمز، والذي كان على متن الطائرة الحربية التي ألقت القنبلة الذرية على نجازاكي، فانه في عام 1945م، سأل فيرمي في معمله في لوس آلاموس – نيومكسيكو: كيف غابت عنك ملاحظة ذلك؟ وكانت اجابته تمثل المعجزة التي حفظت القنبلة الذرية من هتلر، وأعطت الولايات المتحدة السبق على الاتحاد السوفياتي بأربع سنوات. فقد أجاب: كانت صفيحة من الألمنيوم بسمك 3/1000 من البوصة هي التي منعتنا من رؤية ما حدث فعلاً.
لقد إعتقد فيرمي وغيره من الباحثين الذين أعادوا التجربة، أنهم يوجدون عناصر جديدة من اليورانيوم في بوتقتهم، عناصر أثقل من اليورانيوم. وحسبوا أن مثل هذه العناصر المتحولة من اليورانيوم تعطي إشعاعاً قوياً لمدى معين. وكانت وظيفة صفيحة الألمنيوم حجز الإشعاعات ذات المدى القصير المنبثقة من اليورانيوم، والسماح للإشعاعات طويلة المدى من العناصر الجديدة بالمرور. لكن صفيحة الألمنيوم الرقيقة هذه حالت دون رؤية أبعاد طاقة مشعة هائلة، لدرجة لا يمكن تفسيرها إلا على أساس إنشطار ذرة اليورانيوم. ولولا هذه الصفيحة، لتمكن فيرمي من رؤية هذه الاشعاعات على شاشة التلفزيون المتصل بجهازه، على شكل قمم عالية مسننة على خط أخضر مهتز، وكان سيستنتج أن طاقة هائلة كهذه لا بد أن تكون ناتجة عن عملية إنشطار لذرات اليورانيوم. ويقول لورنس، انه بعد عدة أعوام سأل فيرمي إن كان آسفاً على أنه فاته أن يحقق أعظم الكشوف في تاريخ البشرية، فأجاب بهدوء: لقد سرني أن فاتني ذلك.
ومن الطريف أن الكارثة كادت تقع في عام 1936م في معمل فيزيائيين سويسريين، كانا كالكثيرين غيرهما يحاولان أن يكشفا عن بعض الظواهر الغريبة التي كانت تلاحظ عند تكرار تجربة فيرمي الأصلية. ففي أحد الأيام نسيا وضع صفيحة الألمنيوم الرقيقة، وعندما نظرا الى شاشة التلفزيون، أذهلتهما قمم عالية مسننة ترتفع الى درجة لا تصدق. ومن شدة ذهولهما، استنتجا أن " الآلة الملعونة بها خلل، وهي تقذف شررا". وعلى ذلك نبذا "آلتهما غير السليمة هذه"، واستمرا في إجراء التجارب بآلة أخرى ذات سلوك طبيعي. وفي هذه المرة وما تلاها، كانا يحرصان على وضع صفيحة الألمنيوم في مكانها الصحيح داخل غرفة اليورانيوم.