غزل العقرب
جان هنري فابر، واحد من أشهر العلماء المهتمين بالطبيعة الذين ظهروا في القرن التاسع عشر، ولد في فرنسا في 22/12/1823م ، وتوفي في 11/10/1915م. كان صبياً فقيراً، لكن رغبته في التعلم كانت كبيرة، حيث درس بنفسه الرياضيات والعلوم الطبيعية. وقد عمل مدرساً، وكان كاتباً بارعاً، من أهم مؤلفاته: حياة العنكبوت 1912م، عجائب الغريزة 1918م، عجائب عالم الحشرات 1938م. وكان لمؤلفاته الفضل الأكبر في تعريف الأجيال بعالم الأحياء. وكانت عبقريته في الملاحظة مقرونة بجلد عظيم، فكان يجلس لساعات وأيام متواصلة يراقب ما يرغب بدراسته من الكائنات الحية، بخاصة الحشرات. ومن مقالاته المشهورة مقالة في 20 صفحة تقريبا، بعنوان "غزل العقرب"، تكشف الدقة الفائقة في ملاحظة التفاصيل الدقيقة في حياة الكائنات الحية. وفيما يلي موجز لما كتبه بتفصيل دقيق عن واحدة من حالات الغزل التي كان يراقبها لعدة أيام بين العقارب الذكور والإناث:
"مع بداية شهر نيسان/ إبريل، يثور نشاط كبير بين مجموعات العقارب التي أحتفظ بها، بعد أن ظلت هادئة حتى ذلك الحين. فتترك مخابئها عند حلول الظلام، وتبدأ في التجوال، ولا تعود الى بيوتها الأصلية. وكثيراً ما نشاهد تحت الحجر الواحد عقرباً يلتهم آخر. بالمقابل، كثيراً ما تتجمع أعداد من العقارب في احتفالات بهيجة تقوم فيها بمختلف الحركات. ومن ذلك مشهد عقربين يقفان وجهاً لوجه وقد فردا مخالبهما وتشابكت أصابعهما في ود ظاهر. ثم أخذا يتجولان في القفص بخطوات متزنة، وقد انحنى ذيل كل منهما انحناءة لطيفة. وتخلل التجوال وقفات لا تؤثر في طريقة الاتصال، ثم يعودا للحركة من طرف القفص الى الطرف الآخر. وكثيرا ما يقفا هنا وهناك، ويدور الذكر برشاقة ليقف بجانب الأنثى، ويربت على ظهرها برهة وقد بسط ذيله. بعد ذلك يواجه العقربان بعضهما، وتتلامس الجبهتان ويتمايل الذيلان بنشاط، ثم يقفا عمودياً على رأسيهما، ويتشابكان عند طرفيهما، ويربت أحدهما على ظهر الآخر، مع عناق بطئ.
وبعد ساعات من التجوال، يعثر الذكر على قطعة خزف وجد فيها مسكناً مناسباً، فيحرر إحدى أطرافه من رفيقته، ويبدأ يحفر في أرضية القفص ويكنس بذيله، مكوّنا حفرة يدخل اليها مع رفيقته. وكثيراً ما يظلا في هذا المسكن ساكنين ينظر كل منهما في وجه الآخر، مستغرقين في التأمل وقد أمسك كل منهما بالآخر بمخالبه. وقد يستمرا على هذه الحالة مدة 24 ساعة. وفي هذا المسكن يحدث التزاوج بينهما، ليكون خاتمة الغزل الطويل. إلا أنه بالمقابل ينتهي نهاية مأساوية، إذ عند رفع قطعة الخزف التي تغطي الحفرة، تشاهد الأنثى لوحدها تجلس ساكنة في الحفرة، وبجوارها بقايا جثة الذكر الذي قتلته والتهمته".