ظهور الذات العددية وتحكم التكنولوجيا بالمشاعر والتفكير النشاطات اليومية
ظهر مصطلح "الذات العددية " في العام 2007 على يد غاري وولف و كيفين كيلي، والتي أصبحت عنواناً لحركة جديدة بدأت بثلاثين شخصاً وانتشرت لتضم حتى اليوم مايزيد عن 20000 عضو في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية .
وتدعو هذه الحركة إلى الاندماج في التكنولوجيا للحصول على البيانات المتعلقة بجوانب حياة الشخص اليومية من حيث المدخلات مثل ( الأغذية المستهلكة، ونوعية الهواء المحيط) والحالة الشخصية (مثل المزاج، والإثارة، ومستويات الأكسجين في الدم)، والأداء (العقلي والجسدي) وهذا الرصد الذاتي والاستشعار عن الحالةالنفسية من خلال استخدام أجهزة استشعار يمكن ارتداؤها (EEG، تخطيط القلب، فيديو، الخ) والحوسبة القابلة للارتداء، وlifelogging. وكذلك تتبع مستوى الأنسولين او الكولسترول في الجسم ، وتقدم هذه الوسائل كميات هائلة من البيانات لمستخدميها بحيث تمكنهم من تعقب حالتهم الصحية والنفسية بأنفسهم وتجعل جمع البيانات وأرخص وأكثر ملاءمة.
هل هذه القفزة الثقافية منطقية؟
قبل أن ترى التكنولوجيا الحديثة مثل الهواتف الذكية أو الأجهزة القابلة للارتداء النور ، كان لزاماً على الشخص الذي يشعر بوعكة صحية استشارة الأطباء أو فنيّ البيانات لمعرفة الحالة التي يعاني منها وأحياناً كان يتم تسجيل النشاطات يدوياً لتحديد السعرات الحرارية المستهلكة وغيرها من البيانات الضرورية لتشخيص الحالة ، لكن في وقتنا الحالي وباستعمال أجهزة مثل: Fitbits, Fuelbands, Jawbones ,Whistles يمكن الحصول على هذه البيانات في دقيقة، ومراجعتها وتحديثها في الزمن الحقيقي، واستعمالها لإتخاذ قرارات أفضل وأكثر سلامة.
لقد أصبحت المجتمعات في جميع أنحاء العالم متصلة ومترابطة على نحو متزايد ، ويتم تعقب نشاطات أفرادها ومجموعاتها باستمرار، سواءً أكان ذلك عن طريق البيانات التي يتم تصفحها أو التي تحتويها المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك والتي يظهر فيها علناً الحالة الاجتماعية والأصدقاء ومكان الدراسة ومكان العمل والأماكن الهوايات المفضلة ، فما الذي يجعل من عداد السعرات الحرارية أو عداد الأميال أو عداد نبضات القلب أمراً مختلفاً؟
تشير الإحصائيات انه يوجد اليوم حوالي 40.000 تطبيق للأجهزة الذكية تهتم بالصحة، ويتعقب حوالي 60% بالمائة من البالغين في أمريكا وبعض دول العالم أوزانهم أو نظام حميتهم الغذائي أو تمارينهم بواسطتها ، وتساهم هذه البيانات في الوصول الى فهم صحة الإنسان فهماً أكثر شمولاً كما لم تحظ به البشرية من قبل على الإطلاق، وبالإضافة الى ذلك يمكن استخدام بيانات الذات العددية لتوضيح الاتجاهات والمواقف في المدن والدول حول العالم، ذلك بحد ذاته يمنح الباحثين إمكانية الوصول إلى كمية هائلة من البيانات المفيدة.
الشخص الأكثر اتصالاً في العالم
ان الشخص الأكثر اتصالاً في العالم أو كمايصف نفسه هو كريس دانسي ويبلغ من العمر 45 عاماً ، وتملأ الجدران المحيطة به قصاصات من سيرة حياته، وعملات أجنبية، وتذاكر حفلات موسيقية، وصور المشاهير المفضلين لديه مثل مايكل جاكسون وآندي وارهول.
وقد تحققت شهرته الواسعة عندما كتب على الإنترنت أنه يستعمل أنظمة تعقب وتسجيل لنشاطات حياته اليومية يبلغ عددها من 300 حتى 700 جهاز تعمل في جميع الأوقات بدون توقف، وهي تتراوح من معصم اليد الرياضي Fitbit إلى غطاء الفراش Beddit وصولاً إلى نظام الإضاءة في منزله فهي متصلة بأجهزة يرتديها فإذا غضب كريس او تعكر مزاجه استشعرت هذه الأجهزة أن معدل ضربات قلبه قد ارتفع فتصدر الإشارة لتخفيف الإضاءة في المنزل وتقوم بتشغيل القرص المدمج لعزف موسيقى كلاسيكية لتهدئة غضب " كريس " ومزاجه المعكر.
دانسي هو مستقبل خبراء التكنولوجيا
بالتمعن في فكرته نرى أن كريس استطاع معرفة ما يحتاجه بدقة لكي يصبح أكثر إنتاجيةً مثل ضبط الأضواء لدرجة ظل معينة أو برمجة مستويات الهواء في غرفة نومه لينام بعمق. فضلاً عن أنه يُراقب معدل ضربات قلبة أثناء مشاهدة أفلام الرعب ويقول كريس "اعتقدت أنني من نوع محددٍ من الأشخاص، لكني وجدت إن استخدام هذه الوسائل ساعدني للتعرف على نفسي وماأحبه وماأنا بحاجة إليه".
وقد تمكن كريس من خلال تعقب عاداته اليومية وإجراء تغيرات صغيرة في نظامه الغذائي من تخفيف وزنه بشكل ملموس واصبح يتمتع بصحة مثالية ، ولتسهيل استخدام هذه الوسائل اطلق كريس أسماء لكل منها .
يُجسد دانسي مستقبل خبراء التكنولوجيا فهو نموذج حقيقي للثورتين القادمتين في مجال التكنولوجيا: انترنت الأشياء (أجهزة ضبط الحرارة الذكية، أبواب الكراج، فراشي الأسنان، مضارب التنس) والذات العددية (ما يُمكنك أن تعرفه عن نفسك من خلال أجهزة التتبع الذاتي ) ، ومن الجديربالذكر أن شركة آبل وشركة جوجل تبذلان جهوداً ضخمة لتسويق فكرة "المنزل الذكي" والذي يتوقع أن يجني ثروة قدرها 1.9 ترليون دولار للاقتصاد العالمي بحلول العام 2020 وفقاً لبحث غارتنر.
دانسي الذي استقال من عمله كأخصائي تقنية معلومات في شهر مارس من العام 2014 حلق حول العالم ليقدم محاضرات وعروض لأفكاره في مؤتمرات هامة وشركات ضخمة مثل جوجل، وأنفق ما يُقارب 40.000 دولار على اختبار الأجهزة الصغيرة في العام الماضي.
قريباً سيترفع دانسي إلى منصب مدير أول لقسم الرقميات في فرانكلين، شركة هيلثويز الموجودة في تينيسي، حيث سيعمل فيها على منتجات موجودة حالياً ويُطور أجهزة قابلة للارتداء للجيل القادم في مجال الصحة، يقول كريس :
"كل شخص يُريد أن يعرف فيما إن كان سيصبح مثلي في المستقبل، لكن في الواقع كل شخص مثلي الآن، إلا ان الآخرين لا يفكروا بهذا الأمر كما أفكر به أنا". ويتابع كريس :"هاتفك المحمول يجمع معلومات عنك الآن وعن حياتك، وعن استعمالك لبطاقتك الائتمانية أو نظام تحديد المواقع في سيارتك، أنت فعلياً تخضع للمتابعة والمراقبة، لكن هذا الأمر ليس بالسهل ، لأنه حالما تتولى إدارة شؤون نفسك، فهذا يعني أن تتحول إلى التحكم بحياتك كما تريد أنت وهذه العلاقة جميلة ومغذية ولا تعني ابداً سيطرة التكنولوجيا عليها كما يدعي معارضو هذه الأفكار ".