البيانات الكبيرة تتنبأ بما ترغب به فعلاً
إن ما يفعله الناس في أوقات فراغهم يختلف في معظم الأحيان عما قالوا بأنهم سيفعلونه.
أطلق علماء الإقتصاد على هذه الظاهرة اصطلاح "الحسم المبالغ به". ففي دراسة مشهورة بعنوان "الدفع مقابل عدم الذهاب إلى النادي الرياضي"، وجد بعض الاقتصاديين أنه حين يعرض على الناس الاختيار ما بين عقد للدفع عن كل زيارة وبين الرسم الشهري، كان الاحتمال الأكبر اختيار الرسم الشهري. وكانت النتيجة أنهم يدفعون أكثر مقابل كل زيارة، لأنهم بالغوا في تقدير مدى رغبتهم بممارسة الرياضة.
حاول العاملون في مجال التسويق والإعلان وخلال عقود التنبؤ بحجم الاستهلاك لوسائل التسلية كأفلام السينما والكتب، كما أن تحديد الوقت المناسب كان تحدياً فعلياً أيضاً. ففي أي عطلة أسبوعية يجب على أحد استديوهات السينما إطلاق فيلم جديد؟ ومتى على أحد دور النشر إطلاق النسخة الورقية لأحد الكتب؟ ومتى يطلق النسخة الإلكترونية منه؟
في الوقت الحاضر، تقدم البيانات الكبيرة رؤية جديدة حول كيف يستمتع الناس بوسائل التسلية.
بالنسبة لي كباحث يدرس تأثير الذكاء الصناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، برزت ثلاث قوى يبدو أنها تتمتع بالقدرة على التنبؤ بالسلوك البشري.
1-علم الاقتصاد طويل الأمد:
يسهل الانترنت عملية نشر وسائل الترفيه ذات الشعبية الأقل من الأعمال الناجحة السائدة. يمكن للعروض التي يتم بثها أن تكسب جمهوراً واسعاً أكثر من العروض المتوفرة اقتصادياً للنشر عبر التلفزيون أثناء وقت الذروة. ويشار إلى هذه الظاهرة الاقتصادية بالتأثير طويل الأمد.
بما أن شركات البث الإعلامي مثل نيتفلكس (Netflix) لا يتوجب عليها أن تدفع مقابل النشر في صالات السينما، فعليها أن تنتج المزيد من العروض التي تقدم التسلية لجمهور ملائم. استخدمت (نيتفلكس) البيانات من عادات المشاهدة لدى زبائنها من أجل أن تقرر دعم مسلسل (House of Cards) الذي رفضته شركات التلفزيون، فقد أظهرت بيانات الشركة وجود قاعدة معجبين بالأفلام التي يخرجها (فينتش) والأفلام التي يمثلها (سبيسي). وأن عدداً كبيراً من المشتركين قد استأجروا أقراص DVD الخاصة بالمسلسل الأصلي.
2-التأثير الاجتماعي لعصر الذكاء الصناعي:
مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي أصبح بإمكان الناس المشاركة بما يشاهدونه مع أصدقائهم مما يتيح لتجربة التسلية المستقلة أن تصبح اجتماعية أكثر.
يمكن للشركات عبر سبر البيانات من مواقع اجتماعية مثل تويتر وانستغرام أن تكتشف خلال وقت قصير رأي رواد السينما حول فيلم أو عرض أو أغنية. كما يمكن لاستديوهات السينما أن تستفيد من قيمة البيانات الرقمية لكي تقرر طريقة تسويق العروض ومواعيد إطلاق الأفلام.
على سبيل المثال، يعتبر حجم البحث على غوغل حول موجز أحد الأفلام خلال الشهر الذي يسبق العرض الأول له، مؤشراً مهماً حول توقعات الفوز بجائزة الأوسكار وكذلك حول عائدات شباك التذاكر.
يمكن لاستديوهات السينما أن تجمع بين البيانات السابقة حول مواعيد إطلاق أحد الأفلام وحاصل شباك التذاكر وبين توجهات البحث لكي تتوقع الموعد المثالي لإطلاق أفلامها الجديدة.
إن سبر البيانات على وسائل التواصل الاجتماعي تساعد الشركات على تحديد الرأي السلبي قبل أن يتحول إلى أزمة، فتغريدة واحدة من شخص غاضب مؤثر قد تصبح كفيروس وتشكل الرأي العام.
أظهرت إحدى الدراسات أنه حين تنتبه الاستديوهات إلى ما يشاع في وسائل التواصل الاجتماعي قبل إطلاق الفيلم، سيخفض الفرق بحوالي 31% بين العائدات المتوقعة والعائدات الفعلية والذي يطلق عليه، "خطأ التنبؤ".
3-تحليل الاستهلاك:
توفر البيانات الكبيرة رؤية أوضح حول الكتب والعروض التي يستمتع بها الناس فعلاً.
ابتكر عالم الرياضيات جوردان ايلنبرغ طريقة استخدام مؤشر هوكينغ، وهو مقياس وسطي لعدد الصفحات لأهم خمسة مقاطع من كتاب على موقع كندل كنسبة من الطول الكلي للكتاب. يبين مؤشر هوكينغ متى يتوقف الناس عن قراءة كتاب ما. فإذا كانت الأهمية في كتاب عدد صفحاته 250 صفحة، تظهر في الصفحة 250 منه فهذا يعطي نسبة 100% على مؤشر هوكنغ.
أخذت هذه النظرية اسمها من كتاب ستيفن هوكينغ "تاريخ موجز للزمن A Brief History in Time" بالرغم من أن ملايين النسخ من هذا الكتاب ما تزال تباع سنوياً، إلا أنه نادراً ما يقرأ، بنسبة 6,6% على مؤشر هوكينغ.
حين تقرر شركة مثل أمازون أي الكتب تنصح بها أو أي عروض أولى تقدمها، فإنها تراجع المسارات الرقمية المفصلة حول نقاط الحبكة التي تشد أو التي لا تشد المشاهدين، وبذلك تتمكن من تسويق إصدار قادم أو تقديم أفضل التوصيات لزبائنها.
إضافة إلى ذلك، يمكن للأنواع الجديدة من الذكاء الصناعي أن تحقق فيما يشد الناس من المواضيع الإبداعية. مثلاً ابتكرت شركة تدعى إيباغوجيكس (Epagogix) طريقة باستخدام شبكة عصبية ـ وهي عبارة عن أداة ذكاء صناعي تبحث عن أنماط ضمن أعداد كبيرة جداً من البيانات ـ على مجموعة من السيناريوهات التي صنفها خبراء في صناعة الترفيه. ويمكن عندها للكمبيوتر أن يتوقع النجاح لأحد الأفلام على الصعيد المالي. وحسب بعض التقارير، يمكن لمثل هذا الذكاء الصناعي أن يتنبأ بما يصل إلى 75% من مجموع الأرباح الفعلية لحفل افتتاح الفيلم.
ستتمكن شركات التسلية عما قريب من معرفة ما يرغب الناس بفعله خلال أوقات فراغهم أكثر مما يعرفونه هم، وذلك بمساعدة تلك النظريات الجديدة لهذا النوع من البيانات.